لمع نجم فرحات حشاد بعد تأسيسه الاتحاد العام التونسي للشغل عام 1946، وهو ما أكسبه شعبية جارفة بين الطبقة العاملة التونسية.
لم يكن تأسيس كيان كبير مثل الاتحاد العام التونسي للشغل بهذه التركيبة البنوية والنشاط الدائم، الذي جعله مختلفا عن الاتحاد العمالية في الدول العربية التي بها اتحادات معبرة عن الطبقة العاملة، وليد نضال نقابي قصير أو خبرات ضعيفة، وإلا لم يكن ليقود معارك الطبقة العاملة بهذه القوة، بل كان الاتحاد نتيجة لتاريخ نقابي طويل تراكمت من خلاله خبرات نقابية لنقابي يعتبر من الزعماء القلائل الذين التحقوا بالنضال المبكر والعمل النقابي ففي سنة 1936م أسهم في المجال النقابي داخل الكنفدرالية العامة للشغل الفرنسية، وناضل بنشاط وسط هذه النقابة، وهو ما جعل من ثمرات هذا المسار والنشاط الفعلي تأسيسه للاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946م.
هذه الخبرات النقابية جعلت من هذا الزعيم النقابي،يلتفت إلى ضرورة اكتساب الكيان الوليد انتشارا مناسبا يجعله معبرا حقيقيا عن الطبقة العاملة التونسية فنادى مجموعة من الشيوخ الزيتونيين لحضور التأسيس، ومن أبرزهم العالم محمد الفاضل بن عاشور، الذي أسندت إليه الرئاسة الشرفية للاتحاد.
بلغت شهرة حشاد وقوته، بعد تأسيسه الاتحاد العام التونسي للشغل، حدا جعله يظهر كمصلح اجتماعي قوي، فزار بعض الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية ليصلح بين النقابات.
كان حشاد في الثلاثين من عمره عندما أسس الاتحاد العام التونسي للشغل عام 1946م وانتخابه كأول سكرتير عام له. وأثناء توليه هذا الموقع دخلت الحركة العمالية التونسية مرحلة الصراع من أجل التحرير والاستقلال، وكانت هناك نشاطات للحركة القومية تحركها وتوجهها الدعوة للدستور الجديد. وبدأت المظاهرات والإضرابات والاحتجاجات تزداد في شوارع تونس مطالبة بالتحرير وبتحسين مستوي الحياة والعمل للتونسيين.
لعب الاتحاد العام لعمال تونس بقيادة حشاد دوراً هاماً في بدء وتوجيه الحركة وراديكالية المطالب الشعبية وصعد الاتحاد التونسي إلى الاتحاد الدولي لاتحادات العمال الحرة. وبدأ في حضور المؤتمرات الدولية لهذه الاتحادات منذ عام 1949 م حتي بلغ أعضاء الاتحاد التونسي عام 1951م قرابة 120 ألف عضو من كل أنحاء ومستويات العمل في تونس فبدأ تنظيم عمليات مقاومة الاحتلال الفرنسي. بل إنه اتجه إلى تشجيع تكوين اتحادات عمالية في شمال أفريقيا وأصبحت لها أولوية في اهتماماته فبدأ في تشجيع الاتحادات في المغرب والجزائر وعدا لتكوين اتحاد مستقل في ليبيا لوضع أسس اتحاد عمالي موحد، ثم بعد أن تحقق له الجانب الاجتماعي والاقتصادي بدأ العمل لما بعد التحرير.
لم تكن اهتمامات حشاد نقابية فقط، بل كانت له معارك وطنية وسياسية. كل ذلك جعل حشاد مستهدفا من قبل الاستعمال الفرنسي، لكنه نجا من شره، ولم يستطع جلاديه الوصول إليه بالسجن أو النفي، كما فعلت فرنسا مع زملائه من مثل الحبيب بورقيبة وغيره، خاصة بعد أن أصبحت اهتماماته بالمقاومة والحركة الوطنية مؤيداً لهم مادياً ومعنوياً وأصبح سنة 1951م هو القائد الفعلي والزعيم السياسي للحركة الوطنية ونقابة العمال ورمزاً من رموزها.
فكر الاستعمار في التخلص من حشاد لنشاطه ضده وضد مصالحه الاستعمارية في تونس وشمال أفريقيا عامة وبدأ التفكير في عدة خطط لإزاحته من الطريق، منها وضعه في السجن أو تحديد إقامته في منزله أو حتى قتله، وهو ما ظهر وقتها في منشورات منظمة “اليد الحمراء”، التي كانت تعمل مع الاستعمار الفرنسي والمخابرات الألمانية في هذا الوقت، وازدادت عمليات التخريب والتهديد ضد منزله وأسرته، وارتفعت الأصوات المطالبة برأسه، فقبل استشهاده بأسبوع واحد كتبت صحيفة “باريس”، التي تصدر في شمال أفريقيا إن حشاد وبورقيبة هما رأس البلاء فلماذا تترك الرأس إن في القضاء عليهما مصلحة للحياة والكرامة والشرف الفرنسي فإذا كان الرجل يهدد بقتلك اقتله أنت قبل أن يقتلك.
تيقن الاستعمار الفرنسي أن حشاد لم يتعاون معه، ولن يكون ضمن المفاوضين الخانعين، الذين كان يستغلهم من أجل تلبية أطماعه، فاغتاله في 5 ديسمبر 1952 في خضم انفجار حركة مقاومة مشهودة من التونسيين إزاء فرنسا ونفي كبار الزعماء التونسيين أو سجنهم وإذ عجز الفرنسيون عن سجن فرحات حشاد لنوع من الحصانة اكتسبها في الأوساط النقابية العمالية في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الحر فإنها لكف ضرره أو ما كانت تعتبره كذلك أوحت إلى مجموعة تأتمر بأوامر الفرنسيين بالقيام باغتياله وهو ما تم فعلا. فاغتيل على يد عصابة من الفرنسيين المقيمين بتونس اليد الحمراء بمنزله بالضاحية الجنوبية لتونس العاصمة عام 1952 م.