تحل الذكرى الـ69 لتنفيذ حكم إعدام مصطفى خميس ومحمد البقري، العاملان بشركة مصر للغزل والنسيج بكفر الدوار، اليوم الثلاثاء، بعد إضرابهما عن العمل ومشاركتهما في وقفة احتجاجية للمطالبة بزيادة أجورهم.
محمد مصطفى خميس ومحمد عبد الرحمن البقري، عاملين بمصنع كفر الدوار، أضربا عن العمل وشاركا في ووقفة احتجاجية سلمية بالمصنع في 12 أغسطس 1952 مع زملائهم، مطالبين بزيادة أجورهم.
ورغم أن المحاكمة العسكرية شملت المئات من عمال المصنع، الذين شاركوا في الإضراب والوقفة، من بينهم أطفالا لم تتجاوز أعمارهم 11 عاما، إلا إن حكما بالإعدام شنقا قد صدر ضد خميس، 19 عاما، والبقري، 17 عاما، وتم تنفيذ حكم الإعدام على الشهيدين خميس والبقري في 7 سبتمبر من نفس العام.
كانت الشرارة التي أشعلت نار الإضراب عن العمل للمطالبة بزيادة الأجور بعد أشهر قليلة من حركة عسكرية أطاحت بالملك، عندما قامت إدارة مصنع كفر الدوار، في 12 أغسطس 1952، بنقل مجموعة من العمال من مصانع كفر الدوار إلى كوم حمادة بدون إبداء أسباب، ما أثار ثائرة العمال، وأعلنوا إضرابهم عن العمل، ونظموا وقفة احتجاجية لإعلان مطالبهم لحركة الجيش، منددين بحركة نقل العمال وتدني الأجور والحوافز وتدهور سكن العمال.
ظن العمال أن ثورة شعبية حقيقية قد قامت لصالح الشعب وبالتالي أصبح من المناسب المطالبة بتحقيق مطالبهم ونيل حقوقهم، إلا أنهم فوجئوا بمحاصرة قوات أمن كفر الدوار للمصنع، تحت توجيهات نفس القيادة، التي كانت موجودة قبل حركة الجيش، وأطلقت النيران علي العمال فسقط عاملا قتيلا، فرد العمال في نفس اليوم بعمل مسيرة لباب المصنع عندما سمعوا أن محمد نجيب، رئيس الجمهورية، سيمر عند باب المصنع، وهتف العمال “يحيا القائد العام .. تحيا حركة الجيش”، وعندما تأخر نجيب، الذي لم يحضر أبداً، خرج العمال لانتظاره عند مدخل المدينة، وفي طريقهم مرت مسيرة العمال على أحد نقاط الجيش وألقى العمال التحية على العساكر هاتفين نفس الهتاف “تحيا حركة الجيش” إلى أن وصلت مسيرة العمال لأحد الكباري، وعلى الجانب الآخر منه، وقف الجنود المصريين شاهرين بنادقهم في وجه العمال، ومن جانب ثالث لا يعلمه أحد حتى الآن انطلقت رصاصة في اتجاه الجيش فراح ضحيتها أحد العساكر، وكانت معركة بين الجنود المسلحين والعمال العزل حتى من الحجارة ولم تستمر المعركة لأكثر من ساعات فتم القبض على مئات العمال.
تشكلت المحاكمة العسكرية برئاسة عبد المنعم أمين، أحد الضباط الأحرار ومن كوادر الإخوان المسلمين، وأمام آلاف العمال وفي فناء المصنع ذاته كان البكباشي جمال عبدالناصر، وزير الداخلية في ذلك الوقت، حيث شكلت المحكمة العسكرية واتهم مئات العمال بالقيام بأعمال التخريب والشغب وكان من ضمن المتهمين طفل عمره 11 عاما! وتم النطق بحكم الاعدام على العامل محمد مصطفى خميس، ابن الـ19 ربيعا، وتم النطق بذات الحكم على العامل محمد عبد الرحمن البقري، صاحب الـ عاما.
طالب خميس والبقري بإحضار محامي للدفاع عنهما ولاستكمال الشكل نظر القاضي للحضور وقال: هل فيكم من محام؟، وكان موسي صبري، الصحفي الشهير، حاضراً، وكان حاصلاً علي إجازة الحقوق، فاعتبروه محاميا، وتقدم للدفاع عن المتهمين بكلمتين شكليتين أدانتهم أكثر من أن دافعت عنهم.
استمرت المحاكمة في هزلها، دون أدلة ولا دفاع ولا محاكمة، لتقضي بالحكم بإعدام خميس والبقري، بعد 4 أيام، ولم يراع القائمين عليها أن العامل الفقير صغير السن محمد البقري، كان يعول خمسة أبناء وأم معدمة، كانت تبيع الفجل، لتشارك ولدها في إعالة أبنائه بملاليمها التي تكسبها من بيعها.
ولم ترعى المحاكمة الانتباه لصرخات المتهمين البائسين “يا عالم ياهوه.. مش معقول كده.. هاتوا لنا محامي علي حسابنا حتى.. داحنا هتفنا بحياة القائد العام.. داحنا فرحنا بالحركة المباركة.. مش معقول كده”، لتلبي لهم رغبتهما الطبيعية بإحضار محامي للدفاع عنهما على الأقل.
أما باقي العمال فقد أجبروا على وهناك في النادي الرياضي بالمدينة تم إجبار العمال علي الجلوس في دائرة كبيرة تحت حراسة مشددة من جنود الجيش شاهري السلاح، لتذاع فيهم الأحكام المرعبة من خلال مكبرات الصوت، وسط ذهول الجميع.
وافق مجلس قيادة الثورة علي الحكم، وصدق نجيب عليه، بعد أن أقنعه عبد الناصر، علي حد زعمه بعد إزاحته عن الحكم، بضرورة ردع التمرد، حتى لا يجرؤ أحد علي تكرار ما حدث، رغم اقتناعه، يعني نجيب، ببراءة الرجلين البائسين.
وبحسب طه سعد عثمان في كتابه خميس والبقري يستحقان إعادة المحاكمة التقى محمد نجيب بخميس وساومه بأن يخفف الحكم إلى السجن المؤبد في مقابل قيامه بالاعتراف على رفاقه العمال وإدانة حركتهم ولكن خميس رفض.
وتم تنفيذ حكم الإعدام على الشهيدين محمد مصطفى خميس ومحمد عبد الرحمن البقري في يوم 7 سبتمبر من نفس العام بسجن الحضرة بالإسكندرية، تحت حراسة مشددة، وسط أصوات “خميس” و”البقري”، اللذان صرخا قبل الإعدام “حنموت وإحنا مظلومين”.