ثلاث وقائع انتحار شهدتها مصر خلال الأيام الماضية، فتحت الباب للحديث عن تصاعد الظاهرة في البلاد خلال الشهور الأخيرة، فقد رمت فتاة بنفسها من أحد طوابق أشهر أحد مولات العاصمة المصرية القاهرة، وفيما ألقى مسن بنفسه أسفل عجلات قطار الأنفاق، وتم إنقاذ شاب ترك رسالة يعلن فيها نيته الانتحار ويطالب بعدم تسليم جثمانه لأسرته ، سبق ذلك شاب يلقي بنفسه من الطابق التاسع رغم كل محاولات والدته لجذبه و منعه من الانتحار .
شريف الهلالي، المدير التنفيذي لـ«المؤسسة العربية لحقوق الإنسان» قال لـ «القدس العربي» إن معدل حالات الانتحار في مصر من 30 إلى 35 حالة شهريا.
وأوضح أن هذا المعدل يزيد في بعض المناسبات منها الشهور التي تشهد امتحانات المراحل الإعدادية والثانوية العامة، حيث تم رصد 9 حالات انتحار خلال شهر أغسطس/ آب الماضي بسبب رسوب البعض من الطلاب أو إحرازهم نسبا ضعيفة، فضلا عن محاولات الانتحار التي يقومون بها ويتم إنقاذهم بعد نقلهم إلى المستشفيات.
الجدير بالذكر أنه لا تتوافر إحصاءات رسمية حديثة في مصر بعد العام 2017 توضح المعدلات الحقيقية لحالات الانتحار، لعدة أسباب؛ بينها توثيق عدة وقائع على أنها وفاة طبيعية خشية شعور العائلات بالعار أو الخجل والوصم المجتمعي، إلا أن مجلس الوزراء المصري، أصدر في العام 2019 بياناً تحدث فيه آنذاك عن ما وصفه بـ «الشائعات» بخصوص تصدر مصر المرتبة الأولى في معدلات الانتحار.
واعتمد المجلس في بيان له على آخر الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والصادرة في العام 2017 والتي ذكرت بأنه خلال العام المذكور (2017) وقعت 69 حالة فقط.
واعتبر الجهاز أن «كل ما يتردد في هذا الشأن (بخصوص زيادة معدلات الانتحار) شائعات تستهدف النيل من الاستقرار المجتمعي».
وقال في بيان له، في العام 2019 إن بيانات البنك الدولي تظهر معدلات انتحار منخفضة جداً في مصر مقارنة بدول العالم، وإن القاهرة تأتي في المرتبة الـ 150 من أصل 183 دولة في معدلات الانتحار العالمية.
وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية أن «وجود الشَّدائد والابتلاءات سُنّة حياتيّة حتميّة، لم يخلُ منها زمان، ولم يسلم منها عبد من عباد الله؛ بَيْدَ أنها تكون بالخير تارة، وبالشَّر أخرى، بالعطاء أوقاتا، وبالحرمان أخرى، وإن كان الابتلاء يحمل الشَّر من وجه، إلا أنه يحمل الخير من وجوه إذ لا وجود لشرٍّ محض، ويستطيع ذوو الألباب والبصائر أن يُعددوا أوجه الخير في كل محنة».
وطالب «من لديه سؤال أو استفسار أو يحتاج لمن يستمع إليه، ويقدم له مشورة ونصيحة صادقة، ودعما نفسيا ومعنويا؛ بالتواصل مع المركز، وأنه يستقبل الاتصالات كما يستقبل الزيارات، ويعقد مقابلات للشباب مع أعضاء المركز في مقر وحدة بيان في مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية مشيخة الأزهر الشريف».
و نتسائل هل الحل للراغبين بالانتحار هو مركز الأزهر أم الطبيب النفسي ؟ ، و هل الطب النفسي في مصر والذي يعتمد الحوار و المناقشة بدلاً من الأدوية متوفر بشكل كافي في مستشفيات الطب النفسي ؟ و هل توجد سيارات طبية تابعة لمستشفيات الطب النفسي لنقل المرضى الذين يثبت رغبتهم بالإنتحار ؟ و هل يوجد أصلاً قانون مصري يسمح للمستشفيات بإحضار المرضى النفسيين أو المصابين باضطرابات عقلية من ( المنزل / الشارع ) عند إبلاغ المشافي النفسية عن مثل هذه الحالات و خصوصاً إذا كانت الحالة خطيرة مثل الفصام و ذلك أسوة بكل الدول المتقدمة التي توفر خطاً ساخناً للإبلاغ عن أي شخص يرغب بالانتحار لاستقدامه فوراً و التأكد من كونه بحالة جيدة قبل تركه للعودة إلى منزله ؟ تساؤلات كثيرة ، تلك التي تخص مجال الطب النفسي في مصر الذي عانى ولا يزال يعاني من الإهمال في الجانبين التشريعي و التنفيذي ، و التي زادت حدتها مع عدم وجود إحصاءات أو أرقام تبين حجم هذه المأساة التي تتسبب في قتل العديد من شباب و فتيات مصر في مقتبل أعمارهم .