تحتل قضية هدر الطعام أهمية كبيرة لما لها من أبعاد اقتصادية و بيئية و أخلاقية و اجتماعية .
– فمن الناحية الاقتصادية ، فإن أكثر من مليار طن من الغذاء يُهدر سنوياً ، أي ما يعادل ثلث الطعام المخصص للاستهلاك البشري حول العالم ، و يؤدي هذا الفقد أو الإهدار إلى خسائر اقتصادية تقدر بنحو 940 مليار دولار سنويا.
– و من الناحية البيئية ، يسهم هدر الطعام في إنتاج ثلاثة مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام، كما أن الأغذية المهدرة تستخدم 25 في المائة من إمدادات المياه في العالم، ويبلغ الهدر في المأكولات البحرية 35 في المائة والحبوب 30 في المائة والبقوليات والمكسرات 20 في المائة ومثلها في اللحوم والألبان.
– أما من الناحية الأخلاقية فإن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، ذكرت بأن هناك نحو 690 مليون شخص عانوا الجوع حول العالم 2019، وسط توقعات بأن ترتفع تلك الأرقام نتيجة الأزمة الناجمة عن وباء كورونا ، في وقت لا يزال واحد من كل تسعة أشخاص على المستوى الدولي يعاني نقص التغذية، لذلك فإن التقليل من هدر الطعام يمكن أن ينقذ حياة الكثير من البشر حول العالم .
و من الناحية الاجتماعية سنرى في بعض الدول التي تتسع فيها الفجوة بين الأغنياء و الفقراء بأن بعض الأشخاص يبحثون عن الطعام في سلال النفايات ، حيث يقع المهدور من الأطعمة ، و الذي يتم تعبئته على الأرجح بشكل غير قابل لإعادة الاستخدام بشكل آدمي مما يثير الاحتقان و عدم الرضا الاجتماعي لدى هؤلاء الفقراء حتى بعد تحسن أوضاعهم المعيشية .
تشير الأرقام الأرقام غير رسمية إلى أن العرب يهدرون أغذية تتجاوز قيمتها 48 مليار دولار سنوياً و تسجل ( المملكة العربية السعودية ) أعلى المعدلات من هدر الغذاء ، حيث تهدر نحو ثلث الأغذية لديها بما يصل لـ4 ملايين طن سنويا بما يعادل ( 10 مليارات دولار ) ، منها 18.9% مرتبطة بالاستهلاك، و14.2% يتم هدرها أثناء سلاسل الإنتاج، وفقاً لدراسة حديثة أجرتها المؤسسة العامة السعودية للحبوب، شملت مناطق المملكة الـ13 ، بينما توجد بجوارها دولة أخرى من أكثر دول العالم فقراً و هي اليمن و التي سجلت ارتفاعاً مخيفاً في معدلات الجوع و تقزم الأطفال الناتج عن سوء التغذية ، و قد قام برنامج الأغذية العالمي بإجراء مسح شامل أظهر أن ثلث سكان اليمن يعانون انعدام شديد في الأمن الغذائي.
لعل المفارقة بين السعودية و اليمن أن الأولى تهدر ثلث طعامها و الثانية يفقد ثلث سكانها أمنهم الغذائي ، و لعل في هذا السعودية التي تهوي إليها قلوب الحجاج المسلمين كل عام ، فتتحصل من خلال السياحة الدينية على المليارات و التي تتضمن 101 مليار ريال قيمة إنفاق السياح القادمين إليها في 2019 ، لم تعمل على مشروعات لتقليل هدر الطعام في المملكة لصالح الفقراء في العالم كجيرانها في اليمن ، بل إنها سعت للاستحواذ على سلطة أكبر من خلال قصف الأراضي اليمنية على مدار سنوات .
و في مصر ،تنبه الفاو على أن نصيب الفرد من هدر الغذاء في مصر هو 50 كيلوجراما في السنة، وهو يمثل تقريباً نصف حصة هدر الطعام في الولايات المتحدة و التي يتراوح معدل الهدر فيها ما بين 95 و 115 كيلو جرام سنويا من الغذاء.
و قد وقعت مؤخراً شركة دانون مصر عقد شراكة مع بنك الطعام المصري، و يتضمن التعاون فى جهود القضاء على هدر الطعام فى مصر، من خلال قيام دانون بالتبرع اليومى بالفائض لديها من منتجات الزبادى لبنك الطعام المصرى، وذلك لتوزيعه على الفئات الأكثر احتياجا فى كل من المدارس ودور الأيتام وكذلك الأسر الاكثر احتياجاً ، و بالرغم من أنها خطوة مبشرة تدل على تولي شركة دانون لمسئوليتها الاجتماعية في مصر إلا أن هذه الاتفاقية لا تعد كافية.
على عكس ما يعتقده الناس ، فإن أكثر النفايات العضوية ليست أطعمة فاسدة ، فقد كشفت دراسات بأن الطعام السيئ الطعم بشكل واضح لا جدال فيه يمثل أصغر جزء من الطعام المهدر فيما أن نحو 90 في المائة من الطعام، الذي يلقى في القمامة يمكن تناوله بأمان.
بعض الدول الأوروبية سعت لتخفيض هذا الهدر و بلغت حد الصفر في النفايات بتوعية شعوبها لإرسال فائض الطعام الآمن للجمعيات الخيرية و فتح بنوك للبذور ، و أيضا بالعمل على تخصيص سلال خاصة بالأغذية العضوية لتحويلها إلى سماد عضوي نافع للبيئة .
فهل يمكن أن نتعلم من هذه التجربة البيئية الرائدة و نعمل على نسخ أنظمتها نسخاً بلا مكابرة و تنفيذها على الأرض المصرية و أيضاً في الدول العربية الأخرى لاسيما الدول الأكثر ثراءا والأكثر هدراً للطعام ؟