انطلقت الدراسة يوم الأحد، في 60 ألف مدرسة على مستوى الجمهورية و التي ضمت ما يقرب من 24 مليون طالب وطالبة بمراحل التعليم المختلفة بجميع أنحاء مصر ، و فيما مر اليوم الأول بسلالة و هدوء على غالب المدارس الخاصة ، فالحال قد اختلفت تماماً في المدارس الحكومية التي ساد بها حالة من الفوضى و العنف و ازدياد كثافة الفصول و عجز كبير في المعلمين.
لم تحدث معارك أولياء الأمور على ( التختة الأولى) في المدارس الدولية ، و لم تحدث أي من حالات الإغماء لأولياء أمور افتقدوا وجود أطفالهم في حوش المدرسة في المدارس الدولية ، لم يجلس الطلاب على الأرض في المدارس الدولية ، و لم يرسل أي معلم بالتلاميذ إلى المستشفى نتيجة التعنيف البدني في المدارس الدولية ،و لم يصاب الأطفال على الطرق بسبب مواصلاتهم إلى المدارس الدولية ، و بالمختصر .. لم يكن الطلاب في خطر مالم يفتقدوا المال الذي يلحقهم بمدارس الأغنياء التي دعوها – رغم مصريتها – “بالمدارس الدولية” .
كثافة الفصول
و قد كشف “ياسر سعيد” مدير إدارة العبور التعليمية بالقليوبية، حقيقة وصول عدد كثافة الطلاب إلى أكثر من 100 طالب داخل الفصل الواحد ، حيث قال : “أن هناك بعض المدارس في العبور يصل فيها عدد الطلاب إلى 110 أو 120 طالبًا داخل الفصل الواحد، من بينهم مدرسة السيدة عائشة، ومعاذ بن جبل والشهداء، موضحًا أنه لا توجد مدارس كافية في مدينة العبور”.
و بالرغم من أن المدارس تستطيع إحصاء عدد طلابها الملتحقين قبيل بدء العام الدراسي ، إلا أن أزمة كثافة الفصول التي فاقت التوقعات في المدارس الحكومية لم تقم وزارة التربية و التعليم بحلها ، بل إنها تقدم الآن مقترحات لحل هذه المشكلة كاستغلال الفراغات بين الفصول لبناء فصول إضافية ، مما يتطلب أعمال بناء لا تتناسب مع وجود طلاب داخل الفصول .
قلة المقاعد و معدات التدريس
أصدر الدكتور ياسر محمود وكيل وزارة التربية والتعليم بالقليوبية، بالأمس الأحد، قرارًا بإحالة مدير مدرسة المثلث الابتدائية بالخانكة للتحقيق وعزله من منصبه، وتعيين مدير آخر بدلًا منه في واقعة جلوس طلاب إحدى الصفوف بالمدرسة على الأرض لعدم وجود مقاعد دراسية، وأشار وكيل الوزارة، أنه جرى إرسال لجنة من الأبنية التعليمية لمد الطلاب بالمقاعد اللازمة لهم وسيجلس الطلاب تحت أي ظرف اعتبارًا من الغد على مقاعد طلابية.
جاء ذلك على خلفية تداول صور مواقع التواصل الاجتماعي ” فيس بوك” بجلوس طلاب مدرسة المثلث الابتدائية بالخانكة على الأرض وقضائهم اليوم الدراسي دون مقاعد.
و هي ليست الواقعة الأولى لعدم وجود مقاعد لبعض الطلبة في المدارس الحكومية ، و لكنها الواقعة الأولى من نوعها التي تمثل فصلا كاملاً يزيد عن الـ 40 طالب ، يجلس كلهم على أرض ملوثة بأثر الأحذية في وقت الوباء .
عجز المعلمين
الكارثة أن وزارة التربية و التعليم قد صرحت في اليوم الدراسي الاول بأن عجز المعلمين يبلغ 260 ألف معلم ، وبأنه ليس لدى الوزارة صلاحية للتعيينات مما يعني أن رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية هو من رفض سد هذا العجز في المعلمين في الوقت الذي تتباهى فيه مصر ببناء أكبر مسجد و أكبر كنيسة في القارة الأفريقية .
و في تضارب صارخ لكل معايير المنطق يقول الدكتور طارق شوقي وزير التربية التعليم والتعليم الفني : ” إن كثيرون يتحدثون عن عدم تعيين خريجي كلية التربية ، ولكن باب التعيين الخاص بالجهاز الإداري للدولة أغلق ، وبالتالي صلاحية التعيين غير متوفرة لنا”.
و نتسائل حقاً إذا كان مفتاح ” باب التعيين ” هذا بيد الشرطة العسكرية التي ترفض دخول الزوار في غير مواعيد العمل الرسمية ! إننا جادون حقاً بالسخرية من تحطم كل معايير المنطق في كون أن تعيينات التربية و التعليم مقيدة بموعد و ليس بحاجة الوزارة التي ستؤمن بها ” مستقبل مصر” ، أوليس نحن من تعلمنا بأن مستقبل مصر تحمله الأجيال الناشئة و أنه لا مفر من أن تكون كل عمليات التنمية مرهونة بإصلاح التعليم و الثقافة في كل البلدان ؟
فوضى عارمة و إغماءات
صرح بعض أولياء الأمور لطلاب في مدرسة “عمر مكرم” بالإسكندرية ، بأن المعلمين قاموا بإخراج الأطفال إلى حوش المدرسة دفعة واحدة قبل موعد حضور الآباء بنصف ساعة ، و عندما بدأ أولياء الأمور بالتوافد للمدرسة لإحضار أطفالهم ، افتقد بعض أولياء الأمور الأطفال – لم يجدوا أطفالهم – مما تسبب في هرج ومرج دخل علي إثره بعض الأهالي في شجار مع مسؤولي المدرسة، فيما دخلت بعض الأمهات في حالة بكاء شديد ودوى صراخهن ليرج أرجاء المنطقة وتعرضت بعض الأمهاء لانهيارات وإغماءات، وهو ما اضطر أولياء أمور الطلاب لتحرير محضرضد المدرسة والقائمين عليها.
و قبل تشكيل لجنة لتقصي الأمر بمدرسة ” عمر مكرم ” وتداعياته والمتسبب فيه وإحالة المقصرين للمساءلة القانونية ، نفت مديرية التعليم بالإسكندرية ما تردد من ما وصفته “بالشائعات” عبر بعض مواقع التواصل الاجتماعى، بشأن حدوث أزمات يوم الأحد، وتكدس بعض الطلاب وأولياء الأمور، و أرجعت حالة الارتباك إلى تدافع أولياء الأمور بغية جلوس الطلاب في مقاعد الصفوف الأولى مما أحدث بعض الارتباك والتزاحم والتكدس، و هددت المديرية بأنه سيتم ملاحقة مروجي الشائعات واتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة حيالهم.
و بالرغم من أن هناك فيديوهات قد نشرها بعض أولياء الأمور على السوشيال ميديا تتنافى مع إنكار مديرية التربية و التعليم لوجود حالة من فقدان حقيقي من أولياء الأمور لأطفالهم – دفع بعضهم لحالة إغماء – ، إلا أننا نتسائل إذا كانت المسألة ستكون بسيطة أو مبررة إذا كان الأمر هو تكدس بسبب تدافع أولياء الأمور وقت بداية اليوم الدراسي ، و ليس تكدس بسبب إجراءات تسلم الأطفال وقت المغادرة ، و نقصد بذلك بأنه إذا كان يمكن للأشخاص الراشدين بأن يدخلوا وقتما شائوا عن طريق التدافع إلى مدارس الأطفال فما هو الذي سيمنع حالات خطف أو إيذاء أطفال من داخل المدارس فيما بعد؟ ، و هل سيسمح مدير مديرية التربية و التعليم بالإسكندرية بأن يتواجد أطفاله داخل مدرسة يمكن أن يدخلها أي مجموعة بطريق التدافع ؟
تكرر ذلك أيضاً على أبواب مدرسة محمد فريد الابتدائية في مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ ، حيث تجمع عدد كبير من الطلبة وأولياء الأمور وتسلق بعضهم الباب الحديدي والأسوار في محاولة للدخول لحجز مقعد في الصفوف الأولى وسط بكاء وصراخ أطفال المرحلة الأولى من الابتدائي.
وأكد محمد السيد، أحد أولياء الأمور في المدرسة الابتدائية، أن المدرسة شهدت في اليوم الأول للدراسة مهزلة، فعدد كبير من الأطفال تعرض للتدافع والوقوع على الأرض وأصيب بعضهم، وهناك بعض الأطفال تاهوا من أسرهم بسبب التدافع بين أولياء الأمور والطلبة للدخول أولا إلى الفصول لحجز مقعد في الصفوف الأولى، وتساءل عبر صفحته بموقع فيس بوك: «بذمتكم أطفال في السن ده يشوفوا الأوضاع دى لما يكبروا هيحبوا البلد إزاى؟.
و بالرغم من أن المنطق يقتضي بأن لا نلوم المعلمين الذي عملوا – ربما لكل الحصص – بسبب العجز في الموظفين و عملوا داخل فصول ذات كثافة عالية من الطلاب -، إلا أن ذلك كله يدق ناقوس خطر على الأطفال في المدارس الحكومية ، والتي يقع عبء حماية الأطفال فيها أولاً و أخيراً على وزارة التربية و التعليم ، و من غير المعقول أنه حين تتجه الأنظار إلى الوزارة في مثل تلك المشكلات أن يكون رد الوزير “طارق شوقي” ، بمداخلة هاتفية على قناة صدى البلد:«إحنا شغالين مش بنلحق ناخد نفسنا» ، لأنه يعمل في مهنة تعتمد على العقل و ليس العضلات ، مهنة يبرع فيها هؤلاء الذين تدربوا على حل المشكلات ، فإذا قال تلك العبارة لأولياء الأمور الذين ضاع أطفالهم في حوش المدرسة أو الذين أصيب أطفالهم أثناء تدافع أولياء الأمور في حرم مدرستهم ، فلن يكون ذلك مبررا معقولا للآباء ، بل ربما أنهم سيردون عليه بعبارة ” إذا لم تكن قدر مسئولية حماية أطفالي في المدرسة فارحل ” .
التمييز في مواعيد المدارس تبعاً للمحافظة
و قد انطلق أول أيام العام الدراسي أول أمس السبت، في 12 محافظة فقط في مصر لأنها لا تطبق إجازة السبت و هي “البحيرة _ كفر الشيخ _ الفيوم _ الإسماعيلية _ بني سويف _ المنيا _ أسيوط _سوهاج _ قنا _الأقصر _ أسوان _ شمال سيناء”.
وانتظم باقي طلاب مصر في الدراسة بالأمس الأحد، في الـ14 محافظة الأخرى ، التي تطبق إجازة السبت وهي محافظات: “القاهرة _ الجيزة _ الإسكندرية _القليوبية_ الشرقية _ الغربية _المنوفية _ دمياط _ بورسعيد _ السويس _ البحر الأحمر _ الوادي الجديد _ جنوب سيناء _ مرسى مطروح”.
و نتسائل ليس فقط عن الأسباب و لكن عن كون ذلك يكشف عن نوع آخر من التمييز لطلاب المدارس في مصر .
إصابات الأطفال على الطرق
و قد أصيبت بالأمس طالبتين في المرحلة الابتدائية إثر وقوع حادث تصادم جرار زراعي وموتسيكل ناحية قرية أبو النور التابعة لمركز اطسا وبدائرة قسم أول الفيوم، و هو الخبر الذي قد تستغربه بعض الدول التي لا يمكن لأي طفل فيها بأن يذهب دون حافلة مدرسية ذات لون واضح و معروف يبين كونها تخص أطفال لتقليل حوادث الأطفال في ذهابهم و إيابهم للمدارس ، و هو ما تفتقد له تقريباً كل المدارس الحكومية التي يرسل إليها أولياء الأمور أطفالهم إما عن طريق المواصلات العامة أو عن طريق طرق أخرى كالعربية الكارو و النص نقل ، و قد يكدس الآباء الأطفال في سيارة أبونيه مزدحمة للغاية لتوصيل الأطفال ، مما يعرضهم لكثير من المخاطر الجسدية و النفسية .
تعنيف بدني للأطفال
و في الوقت الذي يستحيل فيه تقريباً أن يتعدى معلم بدنياً على تلميذ في المدارس الدولية في مصر ،فقد أصيب بالأمس طالب في المرحلة الإعدادية بمحافظة مطروح عقب تعدى معلم عليه أثناء اليوم الدراسي داخل مدرسته الحكومية ، وتم على الفور نقله لمستشفى مطروح العام.
شهدت مدارس مدن ومراكز محافظة مطروح تكدسا كبيرا بالفصول، حيث وصلت أعداد الطلاب داخل الفصل إلى ٦٥ طالبا بمدارس مجمع زاهر جلال الإعدادية للبنات ومجمع أبو بكر الصديق وباحثة البادية.
و مشهد آخر للعنف حدث في اليوم الأول للتعليم حيث ألقت الأجهزة الأمنية القبض على طالب بالصف الرابع الابتدائي بمحافظة الدقهلية ، و الذي تعدى بالضرب على زميله بـ«شفر موس» أثناء اليوم الدراسي، ما أسفر عنه إصابته بجرح قطعي في الوجه استلزم خياطة بـ 14 غرزة في وجه الطفل .
مدفعتش مصاريف ، ارجع لبيتك
المشكلة الوحيدة التي ذكرتها الصحف في المدارس الخاصة كانت متعلقة أيضاً بالمال فقد أوردت مصادر صحفية أن حالة من الغضب سيطرت علي أولياء الأمور بعد رفض عدد من المدارس الخاصة دخول الطلاب في أول يوم دراسي في العام الدراسي الجديد 2021، المدرسة لعدم دفع القسط الأول ، فيما نبهت وزارة التربية و التعليم بأنها ستتخذ إجراءات مشددة ضد أي مدرسة خاصة تمنع الطالب من الدخول بسبب المصروفات، و كانت لتكون هذه التنبيهات ذات أثر كبير لو أنها أتت قبل بدء العام الدراسي .
الجدير بالذكر أن اليابان تساوي بين الجميع في التعليم ، إلا أنها تفرض على الآباء أن يدفعوا مصاريف التعليم تبعاً لدخل الأسرة عن طريق ( نسبة ثابتة ) و ليس ( مبلغ ثابت ) و بالتالي يمول الأغنياء في اليابان تعليم الأطفال لأنهم يدفعون أكثر من الفقراء الذين يتعلمون معهم في نفس المدرسة ، و لعل وزير التربية و التعليم قد يصل لهذه الفكرة دون أن يصل إلى مجهود ” مش لاحقين ناخد نفسنا ” – على حد وصفه – ، ربما أن إصلاح التعليم يستدعي القليل من الأفكار و ليس الكثير من التبريرات و التنبيهات و التهديدات التي لم تُصلح يوماً منظومة تعليمية في أي دولة على مر التاريخ.
و من منطلق أنه من المسيء أخلاقياً إقحام الأطفال في الحسابات الرأسمالية و الاستثمارية ، فإنه لابد أن تتغير المنظومة التعليمية بالكامل بما يواكب الدول الأخرى التي جعلت التعليم الراقي متاحاً لجميع الأطفال في مدارسها دون تمييز و نتسائل إذا كانت الأولويات في بناء المدن أم في بناء الإنسان الذي ستحدد طفولته و تعليمه ما ستكون عليه مصر في المستقبل ، و ما ستكون عليه الأجيال القادمة التي ستتربى على يد هؤلاء الذين تعرضوا للإساءة في يومهم الدراسي الأول؟