عادت قضية “التمويل الأجنبي” لمنظمات المجتمع المدني في مصر عقب ثورة 25 يناير للواجهة مرة أخرى، مع إصدار قاضي التحقيق المنتدب للتحقيق في القضية، مساء 30 أغسطس ، قرارًا بألا وجه حق لإقامة الدعوى الجنائية لعدد من الجمعيات وكيانات -4 جمعيات – لعدم كفاية الأدلة.
وصدر القرار بالنسبة لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، مركز دعم التنمية والتأهيل المؤسسي، ومركز السلام للتنمية البشرية وجمعية نظرة للدراسات النسوية.
وارتفعت عدد المنظمات التي حصلت على قرارات بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، ضدها في القضية التي تنظر أمام جهات التحقيق منذ 10 سنوات إلى 75 منظمة وكيانا كانت متهمة بالحصول على تمويلات من الخارج.
ويعتبر القرار الذي أصدره قاضي التحقيق هو السادس من نوعه في أقل من عام بعد استئناف التحقيقات في القضية حيث صدر في 5 ديسمبر 2020 أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد 6 جمعيات وكيانات ومنظمات لعدم الجريمة و24 آخرين لعدم كفاية الأدلة.
وفي 30 مارس 2021 صدر قرار بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل 5 كيانات لعدم الجريمة و15 آخرين لعدم كفاية الأدلة وفي 6 مايو 2021 صدر قرار بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل 15 كيانا لعدم الجريمة و3 آخرين لعدم كفاية الأدلة.
وفي 20 يونيو صدرت نفس القرارات لخمسة كيانات لعدم كفاية الدليل وفي 30 أغسطس لأربعة كيانات وفي 20 سبتمبر لنفس العدد.
وتضمنت القرارات رفع أسماء من تضمنهم القرارات من قوائم الممنوعين من السفر،و على رأسهم الناشطة مزن حسن في شهر أكتوبر الجاري، وترقب الوصول وقوائم المنع من التصرف في أموالهم سائلة كانت أو منقولة، وذلك فيما يخص ما تضمنه القرار من وقائع فحسب، دون مساس بأي وقائع أخرى قد تكون محلًا للتحقيق سواء في القضية الماثلة أو غيرها من القضايا.
فيما قال المحامي الحقوقي “نجاد البرعي”، إن قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، سيتم إغلاقها بشكل كامل في أقل من شهر؛ وهو الأمر الذي يتضح في ضوء القرارات الأخيرة الصادرة من القاضي المنتدب في قضية المستشار علي مختار.
فما الذي تغير بعد 10 سنوات من الملاحقة القضائية؟
وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن مرارًا وتكرارًا بإعطاء الأولوية لحقوق الإنسان ، قائلاً إن القضية “يجب أن تكون مركز سياستنا الخارجية ، وليس في الداخل و حسب”.
وقد ردد كبار مساعديه مثل هذه التعهدات ، حيث قال وزير الخارجية أنتوني بلينكين إن إدارة بايدن “ستقف ضد انتهاكات حقوق الإنسان أينما حدثت ، بغض النظر عما إذا كان الجناة خصومًا أو شركاء”.
و في 14 سبتمبر قامت الإدارة الأمريكية بتسليم مصر 170 مليون دولار كمعونة أمريكية للقوات المسلحة من أصل 300 مليون دولار كان من المفترض تسليمها ، و ذكرت الولايات المتحدة أنها حجبت 130 مليون دولار حتى تفي مصر بمعايير حقوقية معينة كان من أبرزها السماح بعمل الجمعيات الحقوقية بداخل مصر و إنهاء الملاحقات القضائية للحقوقيين و إسقاط مصر لقضية ” التمويل الأجنبي” ضد المنظمات غير الحكومية والعاملين الأجانب في المجتمع المدني الذين يواجهون تهماً ، يعود تاريخها إلى عام 2011 ، و الذين تم التشهير بهم إعلامياً بشكل مضلل و ادعاء أنهم كانوا وراء التظاهرات و أنهم يهدفون إلى تقسيم مصر.
و قالت الوسائل الإعلامية الأمريكية حينها ، بأنه “في الوقت الذي لا يمتلك فيه القادة السياسيين ذاكرة مثالية في العالم الحقيقي ، حيث يستمر النظام السياسي المصري بسلطته التنفيذية في لعب دور السمكة الذهبية التي لا تملك عيباً و لا تتجاوز ذاكرتها بضعة أشهر ، فمن الضروري أن يملك القادة السياسيين الآخرين مثل جو بايدن للعب دور الفيل الأقل نسيانًا” .
و قد أثار القرار الأميركي عاصفة من الجدل في الشارع المصري حيث أيده الكثير من الحقوقيين الذين طالتهم القبضة الأمنية بالملاحقة و منع السفر و حجز الأموال و إغلاق مكاتبهم فيما انتقدها آخرين مثل دكتور جمال زهران ، أستاذ العلوم السياسية والنائب السابق ، الذي صرح لـ “الأهرام ويكلي” إن قرار إدارة بايدن ليس له علاقة بحقوق الإنسان بقدر ما يتعلق بإسقاط القضية التي يتهم فيها مواطنون أمريكيون”.
قالت منظمات حقوقية عالمية مثل هيومن رايتس ووتش ، لوسائل الإعلام الأمريكية إنهم أصيبوا بخيبة أمل من القرار وكانوا يرغبون في قطع 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر. كما اعتبر بعض المشرعين من الحزب الديمقراطي القرار بمثابة حل وسط ، معترفين بأنه قد يخيب آمال بعض النشطاء ، لكنه مع ذلك كان أكثر مراعاة لحقوق الإنسان من الإجراءات التي اتخذتها الإدارة السابقة.
لذلك فإنه من المرجح أن تكون قضية التمويل الأجنبي التي بدأت بقرار سياسي قد تنتهي أيضاً بقرار سياسي مما يثير الكثير من المخاوف حول وجود تداخل في السلطات ( التنفيذية و القضائية ) و أن الأحكام القضائية ليست كلها صادرة من على ألسنة القضاة.