“مات المناضل المثال، يا ميت خسارة ع الرجال، مات البطل فوق مدفعه جوا الغابات، جسد نضاله بمصرعه، ومن سكات، لا طبالين يفرقعوا، ولا اعلانات” هكذا نعى شاعرنا الفاجومي أحمد فؤاد نجم المناضل الثوري تشي جيفارا عند رحيله، وهكذا يُنعى كل مناضل ثوري يموت مدافعًا عن شرف قضيته كـ “البدري فرغلي” أو نصير الغلابة أو جيفارا المعاشات، المدافع عن حقوق فئة من أهم الفئات الشعبية احتياجًا لكسب مؤيدين، وداعمين لخدمة قضاياهم التي تتمثل في أحلام البسطاء، بعيشة كريمة بعد خدمة الوطن سنوات وسنوات، هم أصحاب المعاشات.
ولد البدري بأسرة فقيرة الحال، بمحافظة المقاومة الحرة الباسلة بورسعيد، عام 1947، ولاعجب فالفطرة المناضلة ظلت بدمائه، لدرجة أنه وصف نفسه بإحدى البرامج التليفزيونية، بعد مرور74عامًا من عمره، أنه لم يعرف يومًا معنى الترفيه، بل ذاق مرارة السجن 11 مرة من أجل قضايا العمال، ومقاومة الاحتلال.
بدأ فرغلي حياته مشاركًا بالمقاومة الشعبية، وكان عمره آنذاك 18 عامًا، أخ لستة إخوة، كانوا ابناءًا لعامل بسيط بالشحن والتفريغ بالميناء، ولم يترك “البدري” العمل بالميناء، وباجور القمح، إلا عندما ضُغط عليه من قبل أبناء محافظته للترشح بمجلس النواب ووافق، وبتأييد كاسح اكتسب ساحة للنضال جديدة وهي قبة البرلمان، ليفُز بشرف تمثيل من رشحوه، لأربع دورات متتالية، ظل فيها مناضلًا ثوريًا ونصيرًا للغلابة.
تزوج البدري، وانجب ستة أولاد، غرس فيهم جميعًا، يقظة الضمير، وقول الحق مهما كان الثمن الذي من الممكن أن يدفعه الإنسان، نظيردفاعه عن قضايا وطنه، كما كان الراحل يغرس في احفاده، حب القراءة الذي غيَر رؤيته للحياة، خاصة بعد قراءة أمهات الكتب، كذلك كان كثير الحديث عن منظمة الشباب، والتي ساهمت في تشكيل وعيه، منذ ستينيات القرن الماضي.
يعتبر البدري من أهم مؤسسي حزب التجمع التقدمي الوحدوي، وعضو الأمانة العامة به، قدم خلال فترة انتخابه بالبرلمان العديد من الاستجوابات للحكومة، فضلًا عن معاركه مع وزارة التضامن، وقد ترأس النقابي العمالي منصب رئيس النقابة العامة لأصحاب المعاشات، ورئيس اتحاد المعاشات، حتى ظل علامة بارزة بالتاريخ العمالي بمصر، ومن أشهر مناضليها الحقوقيين.
أصر البدري على حضور جلسة النطق بالحكم، بالمحكمة الإدارية العليا، والتي طلبت فيها وزارة التضامن الاجتماعي، الفتوى الشرعية، والمتعلقة بالعلاوات الخمس، وضمها للأجر المتغير لأصحاب المعاش، حيث جاء مسندًا يعاني الآلام، بعد اجراء جراحة بالقدم، لم تمنعه من المثول أمام القضاء للمطالبة بحق الغلابة، وراحة ضميره أمام الله سبحانه وتعالى.
رحل الجدع المصري في 15 فبراير 2021، عن عمر يناهز74 عامًا، من النضال، والدفاع عن قضايا وهموم الغلابة والبسطاء، الذين تسابقوا من أجل حمل نعشه بالجنازة، التي خرجت من مسجد العباسي بمحافظة مولده، بورسعيد الباسلة، ليرحل في سلام تاركًا شرف كلماته التي ستظل هدىً لدرب محاربي قضايا حقوق الإنسانية.