ليس من السهل إعطاء تعريف جامع مانع للعطالة، التي انتشرت تسميتها بالبطالة. لكن مسمى عطالة أنسب، لأن الذي لا يعمل يقال له عاطل.
تعد البطالة قضية جوهرية سواء من ناحية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، لما لها من جوانب وآثار كبرى في المجتمع اقتصاديا وأمنيا وسلوكيا. ولهذا تعطي الحكومات هذه المسألة قدرا كبيرا من اهتماماتها.
نسبة من العطالة تعد بالمصطلح الاقتصادي طبيعية. ذلك أنه وفي كل وقت يخرج عدد من العاملين من سوق العمل برغبتهم، على سبيل المثال رغبة في عمل آخر بظروف أنسب أو أجر أعلى. والموضوع له تفاصيل كثيرة خارج نطاق المقال.
هناك من يرى أن سبب العطالة الأول اختلال التوازن في سوق العمل، وأقوى عامل على الاختلال فرض السلطات أو هيئات العمل أجورا أعلى مما قد يسمى الأجور المتروكة للسوق. هؤلاء يرون أن أجور السوق لا تبقي أحدا يرغب في العمل من دون عمل.
طبعا هناك اقتصاديون لا يوافقون على التفسير السابق كما هو. بل يرون أن الأجور بطبيعتها تميل إلى الجمود، حتى مع وجود ركود اقتصادي. جمود الأجور يعني أن الأجور لا تتأقلم أو لا تتكيف التكيف الذي يجعل العرض مساويا للطلب في سوق العمل. وهذا الوضع مخالف لأغلبية السلع والخدمات التي تتصف أسعارها بمرونة تبعا لظروف العرض والطلب. على سبيل المثال، في حال الركود تكون توقعات الناس عن الاقتصاد متشائمة ما يدفعهم إلى تفضيل الاحتفاظ بثرواتهم في صور غير منتجة، وهذا يؤثر سلبا في التوظيف. وحلا للمشكلة فإن الكينزيين يرون أنه لا بد من تدخل الحكومات بصور عديدة.
هناك مظهر آخر لجمود الأجور، وهو يكثر وبوضوح في القطاع الحكومي وبعض المنشآت الكبرى في دول مجلس التعاون، كأحد آثار أو نتائج طبيعة الاقتصاد النفطي، وكون النفط مصدر دخل الحكومات الأول. وتبعا لذلك تظهر ما يمكن تسميتها بعطالة الانتظار. عطل الكثيرين بسبب قوة الطلب على العمل “في الحكومة مثلا”.
وهناك تفسير للعطالة يقوم على نظرية ازدواجية سوق العمل، التي ساعدت على زيادة ظهورها ظروف. وتلخص هذه الظروف بكون الاقتصاد “الصناعي أو النامي” مكونا من قطاعين، قطاع أول يتميز بارتفاع الأجور فيه، واستقرار العمل، وظروف عمل جيدة بصفة عامة، وفي المقابل هناك قطاع ثان يتصف بانخفاض أجور عماله، وسهولة الاستغناء عن خدماتهم مقارنة بالأول. وتساعد على الازدواجية صعوبة انتقال العامل من القطاع الثاني إلى الأول.
خلاف ما سبق، في دول مجلس التعاون الخليجي، هناك نسبة من العطالة مصدرها استيراد قوي لليد العاملة. بدأ الاعتماد على الاستقدام قبل عشرات السنين، وأسهمت عوامل في ازدياده وتقويته مع مرور السنين. تتلخص هذه العوامل في كون شروط الاستقدام وظروف توظيف الوافد وبقائه في العمل وتكلفته على المنشآت مغرية للاستقدام. الوضع السابق يشبه الإغراق في سوق السلع، الناشئ طبعا من الاستيراد. وتطلب ذلك تدخل السلطات، تحت محاولة تطبيق مبدأ لا ضرر ولا ضرار.