ورقة موقف حول أوضاع العمال الفلسطينيون في دولة الاحتلال: جدلية العيش والجائحة

قسم : أراء حره

ورقة موقف(1):أوضاع العمال الفلسطينيون في دولة الاحتلال – جدلية العيش والجائحة

العضو الاستشاري لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة

العضو المراقب لدى اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان التابعة لجامعة الدول العربية

رام الله. فلسطين. نيسان. 2020

مقدمة

يكمن في جوهر الاستعمار الإسرائيلي ومنظومتيه البنيوية والتشريعية انتهاك عنيف ممنهج لحقوق الإنسان الفلسطيني، يُمؤسس ذاته عبر المؤسسات بما فيها التنفيذية والبرلمانية – التشريعية والقضائية والإعلامية، والعقل الجمعي الإسرائيلي ويُخلّق لذاته بنى راسخة من الصعب تحديها تدفع بالفضاء العام نحو مزيداً من اليمينية على نحو مستمر، تمتد إفرازات هذه الحالة وتتجلى على شكل انتهاكات غير تمييزية في كل القطاعات والحقول تتقاطع في أنها موجهة ضد الإنسان الفلسطيني أياً كانت صفته. بما في ذلك العمال الفلسطينيون داخل إسرائيل.

الانتهاكات ضد العمالة الفلسطينية المنظمة

يمكن تكثيف مروحة الانتهاكات التي يتعرض لها العمال الفلسطينيين في إسرائيل والتي تمركزت بعد تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد إلى:

·        صعوبة الوصول إلى أماكن العمل على نحو طبيعي لائق مقترن بسوء المعاملة في النقاط والحواجز: يتضمن ذلك المرور عبر (11) معبراً وحواجز طيارة ودائمة يمارس فيها أشكال واضحة من التمييز العنصري ضد الفلسطينيين العمال، بدءاً من الطوابير الطويلة والتفتيش – العاري أو باستخدام الكلاب البوليسية في بعض الحالات والمعاملة المهينة والإذلال، وصولاً إلى الحشر الذي يسبب تدافع وتزاحم، وغياب الحمامات وأماكن الاستراحة، والانتظار لساعات طويلة حتى الدخول بالرغم من الظروف الجوية السيئة الحارة أو الباردة. كمعدل عام يقضي العامل الفلسطيني يومياً حوالي (5) ساعات في الانتظار والتفتيش وإجراءات المرور، وهو وقت يكون على حساب تواجده مع أسرته وساعات نومه واندماجه ونجاحه الاجتماعي.

·        التمييز في الأجر والحقوق الاجتماعية: يتلقى العامل الفلسطيني وبالذات العمال بدون “ترخيص” أو بدون عقود عمل أجراً أقل من العامل الإسرائيلي، بالرغم من عملهم في نفس المنشأة، يمتد هذا التمييز إلى التعويض في حالات إصابات العمل والعجز. يضاف إليه عمل الفلسطيني ساعات أطول دون تقاضي أجر بدل العمل الإضافي. والتلاعب في أيام العمل بحيث يجري تسجيلها من المشغل الإسرائيلي بأقل مما هي عليه فعلياً.

·        السماسرة: في الكثير من الحالات، يتعرض العمال الفلسطينيين لاستغلال من قبل سماسرة التصاريح أو السائقين الذين يعملون على نقلهم من وإلى الحواجز وأماكن العمل، فضلاً عن التصاريح التي يتم شرائها بكلفة عالية. والاحتيال من قبل أصحاب العمل والمشغلين، إذ في كثير من الحالات يقوم المشغل الإسرائيلي بالإبلاغ عن العامل بادعاء أمني زائف وإيقاف تصريحه نتيجة مطالبته بحقوقه العمالية.

·        بيئة عمل خطرة وإجراءات سلامة منعدمة: الغالبية العظمى من العاملين الفلسطينيين يعملون في القطاعات الخطرة والشاقة مثل قطاع البناء والإنشاءات، لا يجري توفير مقومات الأمن والسلامة لهم حتى بالحد الادنى، في نفس بيئة العمل تتوفر هذه المعدات الوقائية للعامل الإسرائيلي، وهو ما يفرز إصابات عمل مرتفعة العديد منها قاتلة سنوياً في صفوف العمال الفلسطينيين. يتم رفض علاجهم أو تعويضهم وكثيراً ما يتم إلقائهم على الحواجز مع الضفة الغربية وتركهم يواجهون مصيرهم وهم مصابون.

الانتهاكات ضد العمالة الفلسطينية غير المنظمة

تتضاعف الانتهاكات السابقة ضد العمالة الفلسطينية في إسرائيل عندما يتعلق الأمر بالعمالة غير المنظمة، هذه الفئة من العمال حقوقها غير معترف بها بالكامل، لا تتلقى العلاجات في حال إصابة العمل وأقصى ما يمكن تقديمه لهم في حال حدوث ذلك إلقائهم على الحواجز بطريقة عنصرية مهينة، يجري ملاحقة هؤلاء العمال ومطاردتهم بشكل عنيف بدءاً من لحظة الدخول، في الكثير من الحالات يتم استغلالهم من السائقين والسماسرة بالاستفادة من وضعهم “غير القانوني” ويتعرضون لإطلاق النار المباشر أثناء تسللهم إلى أماكن عملهم من الشرطة الإسرائيلية والوحدات الخاصة، وتستمر مطاردتهم “كمجرمين” واستخدام العنف والتنكيل والإهانات ومداهمة أماكن عملهم بحثاً عنهم، هؤلاء العمال يتم ترحيلهم أو سجنهم أو تقديمهم للمحاكمة وتغريمهم غرامات مرتفعة وتوقيعهم على تعهدات عند إلقاء القبض عليهم، أما من حيث المبيت عادة ما يضطرون للنوم في العراء أو المباني قيد الإنشاء أو المزارع أو عبارات المياه والتي بجميعها غير صالحة للاستخدام الآدمي، فضلاً عن تناول الطعام المصنع (المعلبات) وبكميات قليلة ما يؤدي على المدى البعيد إلى إصابتهم بأمراض صحية تراكمية خطيرة.

كورونا المستجد: التيه والتحديات الجديدة

في ديسمبر 2019 وفي مدينة ووهان وسط الصين اكتشف مرض كوفيد 19 – كورونا المستجد، الفيروس شديد العدوى سرعان ما تحول إلى جائحة ([1]) حسب ما صنفته منظمة الصحة العالمية في 11 مارس 2020، في 21 فبراير 2020 أعلنت إسرائيل عن ظهور أول حالة إصابة فيها، فيما أعلنت فلسطين مطلع مارس 2020 تسجيل أول 7 إصابات لعاملين في فندق أنجل في مدينة بيت لحم. بلغ عدد المصابين حول العالم حتى تاريخه ([2]) مليون و276 ألف إصابة وأكثر من 70 ألف وفاة. فيما بلغت الإصابات في إسرائيل 8611 إصابة و51 حالة وفاة. أما في فلسطين وصلت حصيلة الإصابات إلى 246 إصابة وحالة وفاة واحدة لوالدة أحد العمال الفلسطينيين في إسرائيل.  

“إن الثغرة الحقيقية في معركة الفلسطينيين ضد تفشي فيروس كورونا هي الاحتلال ومستوطناته وحواجزه وكل إجراءاته التي تحاول إفشال جهودنا لحماية أبناء شعبنا ووقف تفشي الوباء”

تصريح لرئيس الوزراء محمد اشتية، عقب تسجيل إصابة 15 عامل فلسطيني في أحد مصانع مستوطنة “عطروت” بفيروس كورونا في الأول من نيسان 2020.

 ضرب هذا الفيروس العديد من القطاعات الاقتصادية في مقتل، كما انعكس بشكل كبير على النظام الدولي، ليخلق أزمات اقتصادية واجتماعية ونفسية متشعبة كتبعية للأزمة الصحية. في الرابع من مارس الجاري أعلن الرئيس الفلسطيني حالة الطوارئ في جميع الأراضي الفلسطينية لمدة شهر، في مساعي لمواجهة جائحة كورونا، وذلك استناداً للنظام الأساس لمنظمة التحرير الفلسطينية وللقانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته، ولا سيما أحكام الباب السابع منه، جاء في المرسوم: “تتولى جهات الاختصاص اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمواجهة المخاطر الناتجة عن فيروس كورونا وحماية الصحة العامة وتحقيق الأمن والاستقرار، و تكون حالة الطوارئ هذه لمدة 30 يومًا، ويخول رئيس الوزراء بالصلاحيات والاختصاصات اللازمة لتحقيق غايات هذا الإعلان كافةً”. والتي جرى تمديدها لاحقاً لمدة شهر أخر. في 17 مارس 2020 طالب رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية العمال الفلسطينيين في إسرائيل بترتيب أمورهم للمبيت في أماكن عملهم بالتنسيق مع مشغليهم خلال ثلاثة أيام، مشيراً أنه سيتم منع التنقل بين الأراضي الفلسطينية والداخل بعد انتهاء المهلة الممنوحة، محملاً إسرائيل كقوة احتلال المسؤولية الكاملة عن سلامة العمال من فيروس كورونا، في اليوم نفسه أعلن وزير حرب الاحتلال السماح للعمال والتجار الفلسطينيين بالمبيت مدة تتراوح بين شهر وشهرين تحت مسؤولية مشغليهم. في محاولة لاستغلال العمال للحفاظ على عجلة الحياة الاقتصادية المهددة بالانهيار مع تفشي الفيروس. لاحقاً لذلك أصاب الفيروس العديد من العمال والذين عادوا ونقلوه لعائلاتهم وقراهم، ما وضع المجتمع الفلسطيني أمام تحدي غير مسبوق. في هذا السياق وجد 60 ألف عامل فلسطيني من أصل 150 ألف من حملة التصاريح فضلاً عن العمالة غير المنظمة أنفسهم أمام تحدي وجودي ومفاضلة صعبة بين صحتهم وصحة عائلاتهم ومجتمعاتهم أو لقمة عيش أسرهم وقرروا البقاء في أماكن عملهم. المعدلات المرتفعة للإصابة بفيروس كورونا في إسرائيل جعلت هؤلاء العمال عرضة للضغوط الاجتماعية الهائلة والملاحقة الأمنية الفلسطينية لمنعهم من الذهاب لأماكن عملهم في إسرائيل والملاحقة عند العودة منها لإجبارهم على الحجر. واتخذت بحق لعائدين منهم إجراءات احترازية مشددة وضعتهم أمام ضغوط نفسية ومعيشية هائلة. وتحمل الأيام المقبلة معها احتمالية عودة عشرات آلاف العمال بسبب قرب بدء عيد الفصح اليهودي.

 العامل الفلسطيني مالك غانم: انتهاك عنصري مركب والشبهة “كورونا”

“بدأت القصة عندما شعرت بإرهاق وارتفاع في درجة حرارتي التي وصلت إلى 40 درجة، لم يكترث المشغل الإسرائيلي أو يقم بنقلي إلى مركز طبي للعلاج، كنت أتواجد مع عدد من العمال في شقة سكنية لا يوجد فيها أبواب ولا شبابيك، فقط بعض الأغطية والفراش ما أصابني بالبرد، أنهكني المرض واستمرت حرارتي بالارتفاع، حينها اتصل زملائي بالإسعاف الإسرائيلي الذي رفض نقلي، ما اضطرهم لدفع 400 شيكل لسيارة إسعاف نقلتني لمركز طبي في تل أبيب، عند وصولي رفض الأطباء إدخالي، واكتفوا بإجراء فحوصات لي عند المدخل، ويبدوا أنهم أبلغوا الشرطة الإسرائيلية التي وصلت للمكان وقامت بتكبيلي من يدي وقدمي، وألقوني في مركبة الشرطة بعيدا عنهم مرددين: دع السلطة توفر لك مكان للحجر الصحي، ثم أنزلوني لاحقاً بالقوة عند حاجز بيت سيرا العسكري وأمروني بالابتعاد. لم أتمكن من السير على قدمي واضطرت للزحف من أجل الوصول إلى أبعد نقطة عن الحاجز. لاحقاً لذلك نقل الهلال الأحمر الفلسطيني العامل للمشفى واتضح أنه يعاني من انفلونزا حادة ضاعفها معاناته السابقة من تضخم في الكبد والغدد” “شهادة العامل مالك غانم”    

  في 23/3/2020 ألقت سلطات الاحتلال بالعامل الفلسطيني مالك غانم من قرية صرة غرب مدينة نابلس قرب حاجز بيت سيرا العسكري بطريقة مهينة للاشتباه بإصابته بفيروس كورونا، وثق الحادثة شريط مصور ما أثار ضجة وحول القضية إلى قضية رأي عام، كشفت هذه الحادثة التي شكلت انتهاكاً مركباً لحقوق الإنسان وتعبيراً عن سياسية عنصرية عنيفة يتم اتباعها ضد العمال

الفلسطينيين، عن الطريقة التي ترى فيها إسرائيل العامل

كجزء من عجلتها الاقتصادية، في تجرد كامل من المعايير

الإنسانية والمتطلبات الحقوقية.

توصيات مركز “شمس”

1.     في هذا السياق وتعقيداته، نضع جملة من التوصيات على أكثر من مستوى:

2.     بالرغم من تقدير مركز “شمس” لجهود الحكومة الفلسطينية الاحترازية عالياً وتفهمه للإمكانيات المتواضعة المتاحة، يطالب المركز الحكومة الفلسطينية بتكثيف جهودها لترتيب عودة العمال المحتملة خلال عيد الفصح اليهودي على نحو منظم وعلى دفعات، بما يمكنها من استيعابهم صحياً وفق الإجراءات المناسبة والقدرات المتاحة.

3.     تشديد الإجراءات الأمنية الفلسطينية في ملاحقة السماسرة والمهربين للعمال ضمن القانون، ورفع مستوى التواجد الأمني قرب “المعابر” والحواجز الإسرائيلية خاصة في القرى والأرياف ومناطق التماس مع جدار الفصل العنصري.

4.     ضرورة التزام العمال الفلسطينيين العائدين من أماكن عملهم في إسرائيل بالحجر المنزلي لمدة 14 يوماً وفقاً لشروط وإجراءات السلامة العامة. بحيث يكون الحجر في غرف منفردة بما لا ينقل العدوى لعائلاتهم أو قراهم وتجمعاتهم. وتوجه العمال الذين لا تتوفر لديهم أماكن حجر لمناطق الحجر الحكومية (الفنادق). والتخلي عن مبادرات حجر العمال في المدارس لما تحمله من تهديدات بنتائج عكسية ونشر الفيروس.

5.     توجه العمال في حال ظهور أعراض الفيروس عليهم أو شعورهم بها لأقرب مركز صحي لإجراء الفحوصات اللازمة. والالتزام بتعليمات الطواقم الطبية في أماكن العلاج والحجر المركزية.

6.     رفع مستوى الوعي العام في النظرة السلبية للعمال، والتركيز بدلاً من ذلك على التكافل المجتمعي بغية تحقيق سند لهم يحول دون إجبارهم على الاستمرار في العمل في المستوطنات والمدن الإسرائيلية أو العودة إليها والتي باتت بؤر لتفشي فيروس كورونا.

7.     مراعاة الجانب الأمني وجهات إنفاذ القانون لحق العمال في الخصوصية، وتوخي الدقة واتباع الإجراءات القانونية بالكامل في تنفيذ القانون وفق إعلان الطوارئ بعيداً عن الضجيج الإعلامي.

8.     مراعاة الإعلام الفلسطيني التقليدي والرقمي لدقة المصطلحات وتجنب الكلمات التي تنطوي على إيحاء “إجرامي” في تغطية الأخبار المتعلقة بحركة وتنقل العمال الفلسطينيين.

9.     قيام وزارة التنمية الاجتماعية والقطاع الخاص وصناديق التكافل الوطنية بما فيها صندوق “وقفة عز” المشكل حديثاً بوضع العمال الفلسطينيين في إسرائيل كأولوية في توزيع المساعدات المادية والعينية، بما يضمن توفير الاحتياجات لأسر العمال التي فقدت مصدر دخلها الوحيد ويشكل فرصة لتخفيف العبء على العمال بما يجعلهم أكثر استجابة للعزل المنزلي.

10. تفعيل دور الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، بما يضمن متابعته الفاعلة لقضايا العمال والعمل على صيانة وحفظ حقوقهم.

11. مطالبة المنظمات الدولية وفي المقدمة منها منظمة العمل الدولية بالعمل الحثيث على متابعة أوضاع العمال الفلسطينيين في إسرائيل والعمل لوقف الانتهاكات المركبة التي يتعرضون لها ومحاسبة إسرائيل عليها.

12. قيام منظمات المجتمع المدني بدورها في تقديم المساعدة والاستشارة والدعم القانوني للعمال، بما يشكل إرشاداً لهم في هذه الظروف المستجدة والاستثنائية ويحول دون مزيداً من الانتهاك لحقوقهم.

[1]  تطلق لفظة جائحة على الوباء الذي ينتشر بين البشر في مساحة كبيرة، عبر قارة أو قارات أو كل العالم، تاريخياً ظهرت العديد من الجوائح الفتاكة مثل الجدري والطاعون الأسود الذي قتل أكثر من 20 مليون شخص حول العالم عام 1350م.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *