لا ينتهي مسلسل حراك القبائل البيجاوية – في شرق السودان – تحت قيادة قبيلة الهدندوة في قطع إيقاف كل الأماكن الحيوية الاقتصادية في شرق السودان بدءاً من الموانيء البحرية و المطار و الطريق البري نحو الخرطوم ، بل عملت اليوم على إغلاق خط إمداد العاصمة الخرطوم بالوقود و إغلاق السكة الحديد محطة “هيا” ، و حتى أنهم هددوا برغبتهم في قطع الكابلات الموصلة للإنترنت في البحر الأحمر – على حد زعمهم – و طالبوا وزير البترول بسخرية بنقل البترول إلى الخرطوم بالبلوتوث أو الواتساب ، وهم الذين قد حددوا عدة مطالب سياسية بحتة لا تتعلق بمطالبات عمالية و لا بتحسين أوضاع قبائل الشرق المعيشية ، و لا بالحريات و إنما هي مطالب ذات طابع سياسي سلطوي مريب حتى احتمل بعض السياسيين أنها تقود ثورة مضادة في السودان .
ننوه أن شرق السودان يضم ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف، وهي من أفقر مناطق البلاد ، لذلك كان من المتوقع أن تكون مطالباتهم اقتصادية إلا أنهم بدأوا بالاعتراض في أكتوبر 2020 حينما وقعت الحكومة الانتقالية السودانية في مدينة جوبا اتفاق سلام تاريخي مع عدد من الحركات التي حملت السلاح في عهد الرئيس السابق عمر البشير احتجاجاً على التهميش الاقتصادي والسياسي لهذه المناطق.
وفي الشهر نفسه وبعد التوقيع، قامت قبائل البجا في شرق السودان بالاحتجاج وإغلاق ميناء بورتسودان العام الماضي عدة أيام، اعتراضاً على عدم تمثيلها في الاتفاق ، و طالبت بإلغاء اتفاق جوبا للسلام الذي حول السودان إلى النظام الحكم الإقليمي “الفيدرالي”، والذي تم بموجبه إصدار مرسوم دستوري لنظام الحكم في السودان الذي يحدد الأقاليم وعددها وحدودها وهياكلها واختصاصاتها وسلطاتها ومستويات الحكم والإدارة، بما لا يتعارض مع اتفاق جوبا لسلام السودان.
لم يكن اتفاق جوبا و لا تقسيم سلطات الولايات من قبل الحكومة الانتقالية السودانية ، مريحاً لقبيلة الهدندوة ( أكبر قبائل البجا ) و التي يقودها الناظر – العمدة – ” محمد الأمين ترك ” ، فعادت قبائل البجا للاعتراض بالأيام الماضية بشكل أكثر قوة تذكيراً بمطالبها السياسية و هي دائماً ما تصدر تصريحاتها و مطالباتها واصفة مصدرها بـ ( المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة ) ، بالرغم من عدم وجود سوى ناظر واحد هو من يتولى إصدار القرارات السياسية ، و هو ناظر قبيلة الهدندوة ” محمد الأمين ترك ” ، الذي يعمل على قطع شرايين الحياة عن الخرطوم من أجل مطالباته السياسية التي هي كالآتي :
– تشكيل ” مجلس عسكري” يدير البلاد لفترة انتقالية محدودة تعقبها انتخابات حرة .
– إلغاء مسار شرق السودان المبرم في اتفاقية جوبا للسلام.
– حل الحكومة الحالية .
– حل لجنة تفكيك الإخوان التي تحظى بسند شعبي ورسمي كبير.
و الجدير بالذكر أن لجنة ” التفكيك ” السودانية هي اللجنة التي تعمل على تفكيك نظام عمر البشير و تجميد ارصدته و هي أيضاً التي صنفت جماعة الإخوان في السودان كجماعة إرهابية.
و نؤكد أن هذه المطالبات لا تتعلق بمطالب ” تجمع المهنيين السودانيين ” و الذين نجحوا في إسقاط الرئيس البشير مع عموم المتظاهرين من الشعب السوداني ، و الذين لازالوا يناضلون من أجل مدنية الدولة و سرعة إجراء مجلس تشريعي .
لم يكتف ” محمد الأمين الترك ” بهذه المطالبات السياسية المريبة ـ بل إن ناظر قبيلة هدندوة ” محمد الأمين الترك ” كان قد أعلن مراراً بأن قبائل البجا في شرق السودان قد تنفذ تقرير المصير باعتباره حقاً مشروعاً بالنسبة لمباديء الأمم المتحدة ، واضعاً السودان في مأزق سياسي فإما أن تستجيب له الحكومة السودانية و تدمر بذلك كل إنجازات الثورة من أجل مصالح قبلية و إما أن تعرض البلاد لمخاطر اقتصادية هائلة في الوقت الذي يعاني فيه السودان من ويلات الفيضانات و الأمطار الغزيرة التي زادت من سوء الأوضاع الإنسانية للشعب السوداني .
و ختاماً فإننا نتسائل عن سر هذه القوة المفاجئة لقبيلة واحدة سودانية تعد من أفقر ولايات السودان ، و نتسائل عن من يدعم المجتمع القبلي السوداني ليكون شوكة في ظهر الحكومة الانتقالية الحالية للسودان .