تتزايد الهوة في معاملة مجتمع الميم بين الدول ففي الوقت الذي قامت فيه بالأمس بلدة هانوي بألمانيا ببناء ثلاثة أماكن لوقوف السيارات “لمجتمع الميم” ، لكي يخدم المثليين بما يساعدهم في حالة الشعور بالحاجة الخاصة للأمان ، تقوم دول أخرى من العالم بسجن او إعدام كل من يعلن عن ميوله الجنسية المثلية .
هانوي هي بلدة صغيرة تقع على بعد 15 ميلاً شرق فرانكفورت ،و لطالما اعتبرت مدينة متنوعة في ألمانيا وكان سكانها متنوعين عرقياً قبل أزمة الهجرة في عام 2015.
في أوائل القرن العشرين بدأت بعض دول العالم الغربي برفع التجريم عن السلوكيات المثلية، ومنها بولندا عام 1932، الدنمارك عام 1933، السويد عام 1944، والمملكة المتحدة عام 1967. رغم ذلك، في بعض الدول المتقدمة لم يحصل المثليون على حقوقهم المدنية إلا في منتصف السبعينات. نقطة التحول كانت عام 1973 حين قامت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين بشطب المثلية الجنسية من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، الأمر الذي ألغى تعريفها كاضطراب نفسي أو شذوذ جنسي. خلال الثمانينات والتسعينات سنَّت معظم الدول المتقدمة قوانين تمنع التمييز ضد المثليين في فرص العمل والإسكان والخدمات.
و ننوه أن المثلية الجنسية هي توجه جنسي يتسم بالانجذاب الشعوري، أو الرومانسي، أو الجنسي طويل الأمد بين أشخاص من نفس الجنس ، و أنه قد تم اضطهاد المثليين من خلال الخطاب الديني في أنحاء شتى من العالم باعتباره خروجاُ عن الطبيعة و الفطرة ، غير أنه مع تقدم العلوم اتضح طبياً أن التوجه الجنسي لا يعتبر اختياراً، وإنما تفاعلاً معقداً لعوامل بيولوجية وبيئية ، و صار هناك إجماع في العلوم الاجتماعية والسلوكية والطبية والنفسية على أنَّ المثلية الجنسية طبيعية، وإنها نوع طبيعي من التوجهات الجنسية عند الإنسان.
ولذلك فقد ظهرت حركة عالمية منذ نهاية القرن التاسع عشر تهدف لزيادة الاعتراف بالمثليين وتواجدهم العلني والمساواة بحقوقهم الشرعية، بما فيها حقوق الزواج و التبني و العمل و الخدمة العسكرية و العناية الطبية، وكذلك سن تشريعات تكافح التنمر لتحمي القاصرين من المثليين.
المثلية في العالم العربي محظورة حيث يستنكرها رجال الدين ويعتبرونها خطيئة، أما الإعلام والأفلام والكتب عامةً فتتردد في تناولها بشكل مباشر، وكثيراً ما يشار إليه بأنها “عمل مشين” أو “سلوك شاذ”. ونتيجة لذلك، غالباً لا يعبِّر المثلييون عن ميولهم علناً، ويبقون الأمر سراً حتى لا يتعرضوا للوصم الاجتماعي و أعمال كراهية و عنف ، فهم في نظر المجتمع شواذ و منفرين و غير مقبولين لأن المثلية لا تجوز دينياً، بالتالي صارت الفكرة رغم – طابعها العلمي و الإنساني – مستوردة من الغرب و غير ملائمة لأغلب تلك المجتمعات ، مثلما حدث لميرال و نوران الفتاتان المصريتان اللاتي أعلن عن مثليتهن بعد اللجوء إلى كندا فانهال عليهم الإعلام المصري سباً و تجريحاً و أثارت قضيتهن الكثير من الغضب و لغة الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي .
من جهة أخرى، فإن المثلية الجنسية قانونية في العراق و تركيا و أندونيسيا و ألبانيا ومالي و طاجيكستان و قيرغيزستان وكازاخستان هي قانونية و كذلك الأمر في البحرين لمن هم فوق سن الواحد والعشرين منذ عام 1976، أما في الكويت وأوزبكساتان وقطر فالعلاقات المثلية بين النساء قانونية، لكنها ممنوعة بين الرجال ، و بالرغم من ذلك فإنه لا أحد من نساء تلك المجتمعات قد تتجرأ بإعلان بمثليتها داخل نظاق مجتمعها لأنها ستلاقي عقوبات عرفية و أعمال كراهية شعبية حتى لو لم يكن هناك قانون يمنع ذلك .
اقتصاد الشعوب و استقرارها السياسي مرهون دوماً بالشمولية و الاهتمام بالمهمشين ، لذلك فإن الكثير من الدول تركض في سباق ماراثوني نحو الاهتمام بالفئات المهمشة و المنبوذة و التي تعاني من الوصم بدون أن يؤذوا أي إنسان ، لذلك نتسائل عن الوقت الذي ستتنبه فيه الدول العربية لتأخرها الفادح في هذا السباق لإعادة حق إعلان الهوية و الأمان لكل المثليين في كافة أنحاء العالم العربي و الدول الإسلامية .