” حقي في الوجود كإمرأة في الوقت ده ، في العصر ده، في اللحظة دي ، بكل مشاعري ، احتياجاتي، مخاوفي، طموحاتي، و حدودي. حقي في الوجود في جسدي، حقي في احتضان جسدي بأنوثته وذكورته، بكل ما يحمل من جمال، من عيوب، من تروما، من جروح و من قصص، مش عشان أكون جزء من موجة أو تريند أو هدف سامي، و لكن للوجود للوجود بلا أسف .. لاحترام وجودي .. لاحتواء كل كياني. لإعادة اقتناء جسمي. لإتاحة مساحة لحريتي و كل اللي بعبر عنه. لأكون نفسي بالكامل” .
هكذا كتبت الفنانة سارة عبد الرحمن على صفحتها على الفيسبوك لتصف الفستان النسوي الذي ارتدته على السجادة الحمراء في حفل افتتاح مهرجان الجونة في دورته الخامسة و الذي أثار العديد من ردود الأفعال لدى المتابعين الذين لم يفهم العديد منهم علاقة الفستان بالحديث عن حق المرأة في حب جسدها و تقبله بدون أي اعتبار للمعايير المجتمعية للجمال الأنوثي.
النقوش التي رسمها ” دارا حسنين ” على قماش الفستان كانت تحوي أجزاء من جسد الأنثى بشكل فني خلاق ، و كانت عبقريتها في الرسم السريالي تغلف اللوحة بطابع أفريقي متعدد الألوان و النقوش بحيث اختبأ في وسط هذه النقوش و أوراق التوت الملونة ، العديد من صدور النساء المتهدلة من الرضاعة أو علامات السن و العديد من صور المهبل الذي كان المصريون القدماء يفتخرون به لدرجة استخدامه كرمز مقدس .
كانت نقوش الفستان تحوي أيضاً العديد من منحنيات الإناث المتباينة بألوانها و أشكالها ، مع العديد من أوراق النباتات التي قد ترمز للخوف من المجتمع ، الذي يدفع النساء للاختباء بأجسادهن عن العيون خوفاً من أن لا تتماشى مع المعايير المجتمعية.
في ذلك تقول جيرمين جرير في ذلك : “كل امرأة تعرف و بغض النظر عن كل إنجازاتها الأخرى ،أنها ستكون فاشلة إذا لم تكن جميلة”.
تشعر الفتيات يالخوف على مظهرها الخارجي منذ نعومة أظافرها ، بسبب التربية التقليدية التي تقدم الثناء الشكلي على الطفلات على الثناء على ذكائهن أو مهاراتهن ، فيترسخ في أذهانهن بأنهن بدون معايير الجمال المجتمعية لن يكن ناجحات و محبوبات.
و قد ظهرت في عام 2012 “حركة إيجابية الجسد” و هي حركة اجتماعية عالمية تركز على المساواة والقبول لجميع أنواع وأحجام الجسد ،و يعد الهدف الأساسي لها هو تحدي الطريقة التي يقدم بها مجتمعنا -وخاصة جميع أشكال وسائل الإعلام- الجسم البشري المادي و تغيير النظرة إليه.
و سبب ظهور هذه الحركة ما أصبحت عليه النساء من اعتبار [ الجراحة التجميلية ، والحقن ، والنظام الغذائي المتطرف ، وأنظمة التمرين القاسية و كريمات التفتيح و العدسات الملونة ]، هي القاعدة الأساسية للنجاح و السعادة و تحقيق الذات لعقود من الزمان ، وأدت هذه الثقافة إلى تدني احترام الذات والاكتئاب والإدمان واضطرابات الأكل الشديدة و في أسوأ الظروف قد تودي إلى الانتحار.
تطور بعد ذلك مفهوم ” إيجابية الجسد ” لمفهوم “حياد الجسد ” كنهج بديل ،و الذي ظهر في عام 2015 ، حيث أنه يستبدل التركيز على حب جسدك -بغض النظر عن أي شيء – إلى فكرة فلسفية تركز على ما يمكن أن يفعله جسمك من أجلك ، و كيف يمكن قبوله مع الإبقاء على تطوير مهاراته يوماً بعد يوم ، و بالتالي تركز هذه الفلسفة على أن حب الذات يتطلب تطويرها و الاهتمام بها من أجل الذات و أهدافها الخاصة و ليس من أجل المجتمع.
كلمات الفنانة سارة عبد الرحمن عن فستانها الذي رسمت نقوشه العبقرية “دارا حسنين ” كانت تجسد الحديث الإيجابي إلى النفس الذي تحدثت عنه ميغان ميركل حين قالت : ” نحتاج فقط إلى أن نكون أكثر لطفًا مع أنفسنا. إذا عاملنا أنفسنا بالطريقة التي يعاملنا بها أفضل صديق ، فهل يمكنك أن تتخيل إلى أي مدى سنكون أفضل حالًا؟”.
و تقول سلمى الحايك في ذلك: ” “كثيرًا ما يقول الناس بأن الجمال في عين الناظر ، وأقول إن الشيء الأكثر تحررًا في الجمال هو إدراك أنك الناظر”.
في مصر .. يتدخل الناس في مظهر الأنثى و في ردائها و في جسدها ، بحيث يمكن أن تتعرض الفتيات للانتقاد بسبب هرمونات الذكورة التي قد تؤثر على البشرة أو توزيع شعر الجسد أو الصوت أو المشية ، و قد يسيئون للمرأة بسبب تلقيها تمرينات قتالية تجعلها في نظر المجتمع مسترجلة – على حد وصفهم – ، و هم يلومون المرأة على نحافتها و على سمنتها و يلومونها على ضعفها و على قوتها ، و يلومونها على الاهتمام بجمالها و على إهماله ، بل إنهم يلومونها على دلال المرأة الذي تثيره هرمونات الأنوثة بشكل عفوي و غير متعمد ، فالأنثى دوماً على خطأ لينعم المجتمع بدوره الأبوي مع النساء.
و تقول بثينة العيسى في أبوية المجتمع : ” ماهو الوطن ؟ ماذا لو كان مجرد نظام للسيطرة عليك ؟ دين جديد بآلهة و أنبياء و طقوس و أناشيد و شعائر ، مؤسسات بأكملها لمنح صكوك الولاء و الخيانة ، نظام كامل لامتلاكك ، فعال إلى درجة تدفعك لذرف الدموع في حال سدد منتخبك هدفاً في مرمى الآخر”.
فكيف لا تدافع سارة حسنين عن حق المرأة في القبول الذاتي و المجتمعي لجسدها أيا كان ، و هي تعلم بأن هناك أسر مصرية تعمل حتى يومنا هذا على عرض ” مجموعة ” من الفتيات أمام الخُطاب لاختيار العروس – طبقاً لمظهرها الخارجي ، غير عابئين بمقدار الضررالذي تلحقه هذه الطريقة للتزويج على النساء و على مستقبل الأسر التي بنيت على المظهر الخارجي للمرأة و كأنهن وعاء جنسي مجرد من الروح و خاص بأهواء و معايير الذكور الذي قرر بعضهم بأن وظيفة المرأة الوحيدة في الحياة هي الزواج و الإنجاب و إسعاد الزوج و طاعته و خدمته هو و أولاده.
الفستان الملهم الذي ارتدته سارة عبد الرحمن كان من رسم “دارا حسنين” من براند مصري وهو ” ريبيل كايرو ” ، و الذي عملت عليه لشهرين متتابعين ، و صمم الفستان لسارة و نفذه ” دارچيي ” ، و قد عبرت سارة عن دعمها للمُنتج المصري به، حيث لفتت إلى أن الفستان مُصمم من قِبل براند مصري، وهو براند يرتكز على الرسومات باليد للتصاميم المطبوعة والمُخيطة في القاهرة، ويهدفون نحو المزج بين الخامات والموضة والفن.