يكشف فيلم “الريش” الكثير عن نضال المرأة لتحقيق ذاتها داخل المجتمع الذكوري ،الذي بدأ بالانحسار التدريجي – بلعبة حظ- مفسحاً المجال لتمكين السيدات .
وفي إطار كوميدي ساخر و بضحكات مكتومة يسخر الفيلم من المجتمع الذكوري من خلال تجرد الفيلم من المكانية و الزمانية، بحيث أن أحداثه لا تبدو أنها بداخل وطن معين لأن قصته تدور حول صراع المرأة الفقيرة بين الأبوية بقيودها و الرأسمالية بتحررها ، و فيما بين الجحيمين تلقى المهام و المسئوليات على عاتقها ،و التي تحولها أحياناً إلى آلة عمل متواصلة من أجل خدمة من حولها دون أن تضع سعادتها أو حريتها في الاعتبار.
و قد ساد على الفيلم وتيرة حزن رهيبة ونبرة سوداء متزايدة رغم السخرية ، و هذا يصعب على الفيلم تسويقه تجاريًا ، إلا أن الجائزة الكبرى من لجنة تحكيم أسبوع النقاد لكريستيان مونجيو ستضمن أن يطير “الريش” إلى المزيد من المهرجانات.
تحكي قصة الفيلم أنه في زاوية بسيطة من منطقة صناعية مهجورة – في إشارة إلى الرأسمالية الصناعية – ، عاشت امرأة ” دميانا نصار” ، مع زوجها وأطفالها الثلاثة في شقة فقيرة ، و قد قام مصمم الإنتاج “عاصم علي” بعمل جيد في وصف حياتهم من خلال ديكور من الطلاء المقشر والأثاث المكسور والأرائك الرثة التي تمتد أحشائها في مجموعات من الحشو.
ما زال زوج المرأة (سامي بسيوني) يتصرف كما لو أنه سيد القصر حيث ينفق المال ويطالب الآخرين ،ويخدع نفسه بالوعود التي قطعها مثل قوله : “سأشتري لكِ فيلا مع حوض سباحة في يوم من الأيام”.
يلتقط الزهيري حياة الزوجة من الكدح المنزلي التي نادراً ما تتحدث أو تبتسم وعيناها حزينة بشكل دائم لأن حياتها تتلخص في أن تطبخ بجدية وتنظف وتهتم بالأطفال الثلاثة وتطيع أوامر زوجها.
في حفلة عيد ميلاد لأحد الأطفال ، يشجع ساحر الزوج على التطوع في خدعة حيث يتحول إلى دجاجة داخل صندوق خشبي، حيث يرى فرحة وذهول جميع الحاضرين ، و محاولة إعادته لا تسير حسب الخطة ، فتتبقى للمرأة دجاجة بدلاً من زوجها، الذي قد يكون نوعاً من التحسن في حياتها.
هذا الموقف عبثي يحول مسار الأمور إلى ملحمة تخوضها المرأة بعشوائية حيث أنها ستتحمل عبء كونها المعيل لأسرتها، ويجب عليها أن تحافظ على تماسك الأسرة برغم اكتشافها ما حدث بالفعل لزوجها.
تشعر الزوجة بأنها مضطرة لإطعام الدجاجة وإيوائها ، فبالرغم من تحول الزوج إلى دجاجة فإنه لا يزال الفرد المتطلب و المدلل في الأسرة.
محاولات المرأة للعثور على عمل وإعالة أسرتها تتداخل مع بعض المواقف الكوميدية ،حيث يركز الزهيري على الطريق المسدود في تلك اللحظات ، ويحافظ على كاميرته ثابتة بينما تتكشف فوضى الأحداث على الشاشة.
تثير الموسيقى التصويرية خيالنا بينما تصادف المرأة مجموعة صغيرة من الأعداء من قرد صفيق إلى كلب حراسة لا يرحم ،ودجاجة مريضة يمكن أن تكون زوجها و تبدأ وتيرة الاحتراق البطيء للريش في الظهور .
ثم تتغير المرأة في نهاية الملحمة التي خاضتها بعد الكثير من زخم الأحداث ، ويأتي تغيرها تدريجياً و لكن بثبات ، لدرجة أنه عندما تتعرض للتهديد فإنها لا تُظهر أي رحمة في العمل لحماية تحررها الجديد.
و قد فاز الفيلم السينمائي ” ريش” للمخرج المصري عمر الزهيري بالجائزة الكبرى لأسبوع النقاد في كان ، و صرحت لجنة التحكيم أن الفيلم حصل على جائزة “لمزيج فريد من الكوميديا والمأساة والجو الغريب والتمثيل السريالي للفقر”.
عمل الزهيري كمساعد للمخرجين المصريين ، بما في ذلك يسري نصر الله ، لكن فيلمه الروائي الأول يشترك أكثر في الأسلوب والتنفيذ مع أفلام آكي كوريسماكي أو روي أندرسون.
و تم الاحتفال بفيلم الزهيري الأول بحرارة يوم الثلاثاء خلال عرضه العالمي الأول في باريس ، بحضور رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي محمد حفظي ، الذي تشارك شركة إنتاجه فيلم كلينك في إنتاج وموزع الريش في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
الدراما الكوميدية التي أنتجتها الفرنسية جولييت لوبوتر وبيار مناحم ، تجمع العديد من أفراد الطاقم المصريين المهرة منهم أحمد عامر (سيناريو) وكمال سامي (تصوير سينمائي) وهشام صقر (صوت) ، ويضم فريق العمل في الفيلم العربي ومدته 112 دقيقة دميانا نصار وسامي بسيوني وفادي مينا ومحمد عبد الهادي.
و هو أول تمثيل لمصر في Semaine de la Critique ، حيث يستكشف مشاهدو ” ريش” مغامرات أم عالقة في روتين يومي متكرر بعد أن قام ساحر عن طريق الخطأ بتحويل زوجها الصارم إلى دجاجة ، حيث تحاول البقاء على قيد الحياة أثناء مرورها في ظروف قاسية وعبثية.
فيلم ” ريش ” الذي يعبر عن اضطرار النساء لتحدي الفقر و الأبوية عندما يتحول الزوج إلى دجاجة لا تستطيع إعالة أسرتها على يد ساحر قد يرمز إلى النظام الرأسمالي الذي أضاف تحديات جديدة على المرأة في كل أنحاء العالم ، يعرض حالياً في مصر في إطار مشاركته في الدورة الخامسة لمهرجان الجونة السينمائي .