نقلاً عن مراسل عنب بلدي في أعزاز| نظم بالأمس الخميس معلمون بمدينة اعزاز بريف حلب وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين واقع العملية التعليمية في المنطقة، وزيادة الرواتب والأجور التي يتقاضونها، مع إضرابهم عن العمل.
احتجاجات المعلمين وإضرابهم لم تقتصر على اعزاز، إذ بدأت منذ الخميس الماضي 14 من تشرين الأول/ أكتوبر ، وقفات في مدن وبلدات ريف حلب الشمالي من قبل المعلمين للمطالبة بتحسين رواتبهم التي انخفضت قيمتها مع تدهور الليرة التركية.
دفع الإضراب عن العمل المجالس المحلية في مدن الباب وبزاعة وقباسين إلى تهديد المعلمين بالاقتطاع من راتبهم الشهري مقابل الأيام التي تغيبوا عن العمل فيها، مع تهديدهم بالفصل إذا لم ينهوا الإضراب ويعودوا للعمل بحلول يوم أمس، الأربعاء 20 من تشرين الأول.
وقالت هذه المجالس في بيانات منفصلة صادرة الثلاثاء 19 من أكتوبر إن هذا القرار اتُّخذ بشكل إلزامي، “لحماية حقوق الأطفال، ومنها حق التعليم الذي يُعدّ أساس الحقوق الإنسانية”.
لكن هذا التهديد قُوبل بالرفض والاستنكار من قبل ناشطين سوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الذين دعوا إلى منح المدرسين جميع حقوقهم وتحسين واقع عملهم.
مطالب “محقة”
سناء حسانو مدرسة مرحلة ابتدائية في اعزاز بريف حلب قالت :“خرجنا بثورتنا وقدمنا تضحيات كبيرة من أجل كرامة الإنسان ومن أجل تحسين واقع الحياة بكل جوانبها، بما فيها التعليم وحقوق المعلمين التي كانت لا ترقى لقيمة ما يقدمه المعلمون أساسًا”.
“المعلم من أكثر فئات المجتمع معاناة في سوريا قبل الثورة وبعدها”، بحسب سناء، إذ لا يتلقى المعلمون في ريف حلب أي دعم معنوي أو تحفيز يشجعهم على الاستمرار بالتعليم مقابل الرواتب التي يتلقونها والتي تكاد لا تكفي مصروف أسبوع واحد في ظل الغلاء المعيشي والأزمة الاقتصادية التي تشهدها مناطق شمال غربي سوريا.
وترى المعلمة أن مطالبها ومطالب زملائها محقة بزيادة الحد الأدنى للرواتب إلى 2000 ليرة تركية، رغم أن هذا الرقم يُعتبر الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة خاصة في ظل استمرار انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار.
كما ترى أن جودة التعليم مرتبطة بتوفير كافة متطلبات العملية التعليمية وخاصة تأمين حياة كريمة للمعلمين مما يؤدي إلى سعي المدرس لبذل أفضل ما لديه على عكس الواقع الحالي، إذ لا يمكن انتظار جودة في التعليم والمعلم مشغول تفكيره بتأمين ثمن الخبز وأجار المنزل وباقي متطلبات المعيشة، بحسب تعبيرها.
ولفتت سناء إلى أن المعلم في ريف حلب محروم من الإجازات السنوية ومن زيادة الرواتب حتى لو بلغت خدمته في التعليم سنين طويلة، مطالبة بصياغة تعاقد جديد بين المعلمين ومديرية التربية بشكل يكفل حقوق المعلمين ويحفظ كرامتهم.
من جانبه، قال المدرس فراس حماشو، إن مطالب المعلمين في الشمال السوري إصلاح العملية التعليمية بشكل عام وعلى رأسها زيادة الدخل الشهري للمعلمين وعدم الإكتفاء بزيادة واحدة.
وأضاف : أنه يجب وضع نظام داخلي لمديرية التربية تكفل زيادة سنوية على الرواتب وضمان حقوق المعلمين من خلال وجود قانون يحميهم ويكفل حقهم في الإجازات السنوية والضمان الصحي.
وبحسب المدرس، فإن المطلب “الأكثر أحقية” هو تشكيل نقابة للمعلمين تنظم العلاقة بين المعلمين والجهات المسؤولة وتكفل تحقيق حياة كريمة للمعلمين.
وما يجعل المعلمين يصبرون على قلة الراتب والقوانين “المجحفة” بحقهم، بحسب فراس، هو حرصهم على مصلحة الطلاب وسعيهم لتنشئة جيل متعلم مثقف.
القرار تركي
وقال مدير التربية والتعليم في منطقة اعزاز، نادر حوراني، إن موقف المديرية من المطالب والاحتجاجات الأخيرة للمعلمين في المنطقة هو موقف داعم لمطالبهم “المحقة”.
وأضاف أن المديرية تسعى باستمرار للعمل على تحسين الوضع المعيشي والوظيفي للمعلمين ولكن الخطوات التي يتخذها المعلمون بالإضراب عن التعليم تضر بسير العملية التعليمية وتضر بمصلحة الطلاب.
ويرى حوراني أن مطالب المعلمين كي تبقى محقة يجب ألا تترافق بأعمال من شأنها عرقلة التعليم في المنطقة والإساءة لصورة المعلم أمام المجتمع.
وأكد على عدم نية المديرية اتخاذ أي قرار أو إجراء من شأنه الضغط على المدرسين أو منعهم من ممارسة حقهم في التظاهر والمطالبة بحقوقهم.
وحول استجابة المديرية لمطالب المدرسين بزيادة الرواتب، أوضح حوراني أن القرار يعود وزارة التربية والتعليم التركية، إذ رفعوا لها كتابًا يتضمن مطالب المعلمين وينتظرون الرد.
وترحب المديرية بأي عرض من منظمات المجتمع المدني لدعم قطاع التعليم، بحسب حوراني الذي أشار إلى تلقي عروض لدعم مشروط ويشمل فئة قليلة من المعلمين مما اضطرهم لرفض المشروع المقدم بسبب عدم قدرة المنظمة على تغطية كامل المدرسين في المنطقة.
الوضع الاقتصادي يتدهور
وفي 13 من تشرين الأول الحالي، أعلن “ممثلو مدارس مدينتي الباب وقباسين وريفيهما” في بيان، بدء إضراب الخميس 14 من تشرين الأول، لتردي العملية التعليمية، بسبب نقص الكادر التعليمي ونقص الكتب المدرسية كمًّا ونوعًا، وتفشي جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) دون اتخاذ إجراءات وقائية.
وأرجع البيان تردي العملية التعليمية أيضًا إلى زيادة عدد الطلاب في الشعبة الواحد لأكثر من 50 طالبًا، وتردي المستوى المادي والمعيشي للمعلم.
ورفض البيان مصطلح “منحة” الذي يطلَق على الرواتب التي تبلغ قيمتها نحو 85 دولارًا أمريكيًا، مشيرًا إلى أن قيمتها كانت تساوي الضعف قبل سنوات.
وكان أجر المعلم 500 ليرة تركية، قبل أن يحتج المعلمون على ذلك في تشرين الأول عام 2018، ليرتفع بعدها إلى 750 ليرة تركية.
وطالب المعلمون بزيادة دورية على رواتبهم لتصل إلى ما لا يقل عن 2000 ليرة تركية، والاستجابة لمطالبهم المتعلقة بتحسين الوضع التعليمي بجوانبه كافة، وإلا سيبدأون بتنفيذ خطوات تصعيدية.
وهذه ليست المرة الأولى التي ينظم فيها معلمون وقفات احتجاجية، فمنذ عام 2017، نظم معلمون في المنطقة عدة إضرابات ومظاهرات أمام مركز الشرطة في المدينة، مطالبين فيها المسؤول التركي والمحلي بتحسين أوضاعهم وزيادة رواتبهم، لكن مطالبهم لم تلقَ أي استجابة، غير التي حدثت عام 2018، كما كانت هناك تهديدات بالفصل.
فهل سيعود الإشراف المالي على مدارس ريف حلب لسوريا ، أم أن العلاقات السياسية المتدهورة بين الجانبين التركي و السوري ستُبقي أوضاعاً مأساوية قد تفرض نفسها على المعلمين و الطلاب؟