صادق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على تعديلات قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 بحيث تستبدل التعديلات المادتين 36، و 53 فقرة أولى من قانون مكافحة الإرهاب.
وجاءت النصوص الجديدة بما نصه :
- يحظر تسجيل أو تصوير، أو بث أو عرض أية وقائع من جلسات المحاكمة في الجرائم الإرهابية إلا بإذن من رئيس المحكمة المختصة، ويعاقب بالغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تتجاوز الـ 300 ألف جنيه لكل من يخالف هذا الحظر، عوضاً عن 20 ألف جنيه و100 ألف بحد أقصى في النص الأصلي.
- كما نصت المادة الثانية المعدلة، على أن لرئيس الجمهورية، متى قام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية أو ترتب عليها كوارث بيئية، أن يصدر قرارًا باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، بما في ذلك إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها، على أن يتضمن القرار تحديد المنطقة المطبق عليها لمدة لا تجاوز ستة أشهر، وكذا تحديد السلطة المختصة بإصدار القرارات المنفذة لتلك التدابير”.
- وأضافت التعديلات مادة للقانون تحمل رقم 32 مكرر، تنص على: مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب كل من خالف أيًا من التدابير الصادرة وفقًا لأحكام المادة (53) من هذا القانون، والقرارات الصادرة تنفيذًا لتلك التدابير بالعقوبات المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية المشار إليه في المادة (53) من هذا القانون، بشرط ألا تزيد العقوبة على السجن المشدد والغرامة التي لا تزيد على 100 ألف جنيه”.
وكان مجلس النواب المصري وافق أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على تعديلات عدد من القوانين التي أثارت جدلا منها قانون حماية المنشآت وقانون مكافحة الإرهاب وقانون العقوبات.
واعتبرت منظمات حقوقية مصرية مستقلة، أن تعديلات القوانين يعد خطوة للخلف تستهدف تقنين حالة الطوارئ، وتُوسِّع اختصاص القضاء العسكري، وتفرض محاذير جديدة على حرية البحث العلمي.
وأكدت المنظمات أن تعديلات هذه القوانين، تتنافى مع مع تردد عن اتجاه السلطات المصرية لمعالجة الانتقادات التي تواجه ملف حقوق الإنسان في مصر، واتخاذ خطوات منها إلغاء تمديد حالة الطوارئ وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
و كانت قد نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا قال بأن مصر ستوسع من صلاحيات الرئيس من خلال قانون سيقوي يد الحكومة الديكتاتورية، في وقت بدا وكأنها تخفف من سيطرتها الأسبوع الماضي بعد رفع حالة الطوارئ الطويلة.
وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن مجلس النواب وافق على تعديلات لقانون الإرهاب الوطني يوم الأحد الماضي، ووسع سلطاته وستذهب التعديلات إلى السيسي لكي يوافق على التعديلات، والذي سيكون مجرد إجراء شكلي. وتعطي التعديلات الرئيس السلطة لاتخاذ “إجراءات لحماية الأمن القومي والنظام العام” بما في ذلك فرض منع التجوال من بين صلاحيات أخرى.
و قالت الصحيفة أيضاً بأنه : ” في الوقت الذي رحب فيه بعض المدافعين عن حقوق الإنسان إلا أن الكثيرين انتقدوا تحركات الحكومة لمعالجة مظاهر القلق من حقوق الإنسان، ووصفوها بأنها “خبطة علاقات عامة” وبخاصة أن التعديلات منحت الرئيس والجيش سلطات كتلك التي فرضت عليهم عندما كانوا تحت قوانين الطوارئ و أنه بتعديل قانون الإرهاب، ستشهد مصر توسيعا لدور الجيش الذي توسعت سلطاته ومسؤولياته في عدد من المجالات، من تصنيع الباستا والفنادق إلى القضاء، ولو أقر الرئيس التعديلات فستظل المنشآت العامة وللأبد تحت حماية الجيش والشرطة”.
” وتشمل التحكم وحراسة أنابيب الغاز والنفط ومحطات الوقود والجسور وسكك الحديد. وأي شخص يتهم بانتهاك هذه المنشآت أو تسبب بضرر لها فسيحاكم أمام المحاكم العسكرية ، ومن التعديلات التي أقرها البرلمان يوم الإثنين هي البحث في الجيش وقادته الحاليين والسابقين، وضرورة الحصول على إذن من الحكومة المصرية وإلا كان عرضة للغرامة المالية بـ 50.000 جنيه مصري أي ما يقابل 3.200 دولار”.
وتقول الصحيفة “إن توقيت التشريع أثار شكوكا حتى بين أعضاء البرلمان الذين عادة ما يختمون على القرارات ومعظمهم من حلفاء الرئيس. وقالت مها عبد الناصر من الحزب الاشتراكي الديمقراطي المصري “نحن لسنا ضد تشديد العقوبة للكشف عن أسرار الجيش المصري أو التجسس، لكن لدينا تحفظات حول التوقيت وتزامنه مع قرار الرئيس إلغاء حالة الطوارئ وصدور استراتيجية حقوق الإنسان”.
وقالت “إن تشديد العقوبات لنشر معلومات عن الجيش المصري تناقض استراتيجية حقوق الإنسان التي وعدت المصريين بحرية التعبير”.
و يقول عضو مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية ستيفن كوك في مجلة “فورين بوليسي” : ” هذه هو بيت القصيد : أن تزرع الخوف في قلوب الطلاب المتخرجين والباحثين والصحافيين، ليس بضرر تافه، ا ولكن غطاء قانوني لانتهاك حقوق طلاب مساكين مثل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، والذي كان في مصر لايدرس أمور تخص القوات المسلحة ، ومع ذلك لوحق وعذب وقتل لأنه قام ببحث في موضوع لم تكن الحكومة راغبة في بحثه”.
ويتساءل كوك : “عن سبب أن يرهق الرئيس السيسي ومستشاريه أنفسهم بالتعديلات للقانون وتمريرها عبر مجلس الشعب، مع أن كل السلطات بأيديهم”.
ويقول “السؤال هنا: لماذا يشعر الديكتاتوريون المعادون بشكل كامل تقريبا لكل ملمح من ملامح السياسة الديمقراطية بالحاجة لعمل إجراءات ديمقراطية هزلية؟ فما يريدون منها؟ والجواب الكثير، فالدستور المصري لمن لا يعرفه يقدم صورة عن نظام ديمقراطي مفتوح، وعادل للحكم وحكومة ديمقراطية. فالمادة 4 تنص على أن “السيادة للشعب وحده يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات ويصون وحدته الوطنية التي تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين وذلك على الوجه المبين في الدستور”، وتنص المادة التالية على أن النظام السياسي يقوم على نقل السلطة السلمي واحترام حقوق الإنسان والفصل بين السلطات والتعددية الحزبية. وهذا كلام جميل، لكنه ليس جميلا بالقدر لأن كل هذه المحددات للدستور الليبرالي مشفوعة بعبارات مقيدة، فمن صاغوا الدستور فهموا طبيعة الدساتير الليبرالية والديمقراطية، لكنهم كانوا من الدهاء بمكان لشمل عبارات مثل ” على الطريقة المبينة بالقانون” و “بالطريقة التي ينظمها الدستور/ القانون”. وقد يبدو هذا مجرد كلام، إلا أن هذه الصيغ تسمح للسلطات المصرية الحصول على الأمرين: مؤسسات تشبه تلك التي تملكها السياسات الليبرالية والديمقراطية، ولكن بأبواب عليها أقفال تسهل القمع والاضطهاد. ورغم الحق للمصريين بممارسة البحث (المادة 66) وحرية النشر (المادة 71) إلا أن هذه الحقوق محدودة من خلال إخضاعها لقوانين مرتبطة بالتحريض أو “الطعن في شرف الأفراد” وعليه تفسر بطرق لا تحمي حرية البحث والنشر”.
و يضيف كوك : ” هذه ليست ظاهرة مصرية، فالاتراك والروس والبولنديون والهنغاريون يستخدمون نفس المنطقة. فعندما تسأل دبلوماسيا تركيا عن سبب سجن العديد من الصحافيين مع أن المادة 28 من القانون تضمن حرية التعبير. وسيكون رده بأن هذه الحقوق لا تنطبق عليهم لأنهم خرقوا المواد 1،2،3 من الدستور الذي ينص على أن تركيا هي دولة علمانية ديمقراطية وجمهورية تحكم بالقانون. ويقول لو شككت بأن تركيا غير ديمقراطية أمام أنصار حزب العدالة والتنمية لاعتبروك مجنونا، وهو نفس الموقف في مصر، حيث يرفض المسؤولون المصريون التقييمات الغربية لسجل حقوق الإنسان المؤسف في بلادهم. ويؤكدون أن السجناء اعتقلوا لسبب وان القضاء المستقل هو من سجنهم. وهذا ما يقتنع به أنصار النظام، ومحاولة إقناعهم بغيره ليس هو القضية بل إن وضع الإجراءات المقيدة وأدوات الديكتاتورية في النظام القانوني والنظام الدستور تساعد على ردع نقد الحكومات الأجنبية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية ومن بقي من المعارضين في الداخل. وطالما حث الناشطون الولايات المتحدة والقادة الأوروبيين على تحميل القادة الديكتاتوريين مثل السيسي مسؤولية كلامهم، والحكم عليهم بناء على التزامات دساتيرهم واحترام الحقوق الفردية، وهي استراتيجية معقولة، إلا أن الديكتاتوريين استفادوا من الوجه القانوني كجدار للدفاع عن النظام. ومن خلال ربطهم حق الإساءة لمواطنيهم والأجانب بالقانون، فقد سعوا لقلب الدستورية ضد منتقديهم وقد نجحوا حتى الآن”.
إن القمع الأمني عندما يأتي بشكل قانوني لا يقوض فقط عملية الديمقراطية و لكنه يقوض أيضاً من إمكانية تشكيل و تقوية المجتمع المدني الفاعل في تغيير البلاد للأفضل ، لأن المجتمع المدني حين يكون مستأنساً لن يقدم الكثير لتغيير مصر من الأفعال و لكنه في المقابل سيقدم الولاء الذي يشجع الحكومات الديكتاتورية لمجزيد من قمع الحريات و تقويضه ، و من هذا المنطلق نتسائل إن كان هذا ما كان يريده شباب مصر و نساءها الذين خرجوا يوم 25 يناير 2011 لطلب الحرية و الكرامة الإنسانية؟