بين نقص الثقة في الفوز، وطاعة للزوج أو الأب.. وخوفا أحيانا من سخرية المجتمع، وجدت الكثير من المترشحات للانتخابات المحلية سواء البلدية أو الولائية، أنفسهن مضطرات لإخفاء صورهن في قائمة المترشحين التي تعلّق في الشوارع وحتى في منصات التواصل الاجتماعي.
ومنذ إعطاء المرأة حرية إخفاء وجهها وترك اسمها فقط في قائمة المرشحين للانتخابات السياسية في الجزائر، باتت الفرصة مفتوحة أمام النساء خاصة المتواجدات في مناطق لا تزال تهيمن عليها “العقلية الذكورية” و”العشائرية”، فمهما اختلفت أسباب لجوء هؤلاء المرشحات للانتخابات لإخفاء وجهوهن فإن هنالك تناقضا معترفا به في المجال الاجتماعي السياسي، يوحي بأنّ المرأة غير قادرة على المواجهة، وربما دليل نقص ثقة وفشل من البداية، وبالمقابل يعكس عند بعض المختصين في علم الاجتماع، طغيان الذكورية، والتقليل من شأن المرأة، وجعلها مجرد ديكور تملأ به القوائم.
وتخصيص”كوتة” 50% للنساء في القوائم الانتخابية، تبدو حسب بعض السياسيين والمهتمين بشؤون المرأة، مجرد” أكذوبة سياسية” أو تلغيم انتخابي، والواقع يعكس ذلك.
و يبدو على الشارع المغربي أن هناك قوائم تضم أسماء نساء دون صور، وفي مقابل ذلك فإن قوائم الانتخابات البلدية والولائية لمناطق داخلية والتي تجدها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الكثير منها خالية من أسماء وصور المرأة وبعضها لها مرشحات نساء ولكنهن يخفين صورهن.
هذا الواقع الذي أثار جدلا عبر منصات التواصل الاجتماعي، وحمل معه حقيقة لا يمكن إنكارها تتعلق بوضع المرأة في الجزائر، حيث تعتبر انتخابات نوفمبر 2021، بمثابة صورة ملموسة لحال المرأة”!
وقالت النائب السابق في البرلمان، فوزية بن سحنون، إن نسبة 50% للمرأة في الانتخابات المحلية القادمة، عمل غير ديمقراطي، حيث يصعب ملء القوائم بهذه النسبة للمرأة، وخاصة في البلديات، حيث في وجود مثلا 33 مترشحا في قائمة انتخابية لكل حزب مطلوب 15 امرأة، وهذا غير موجود في أرض الواقع.
وأوضحت بن سحنون قائلة “تخيلوا لو لدينا في كل بلدية 5 قوائم أي لكل قائمة 15 امرأة وبالتالي يصبح المجموع 75 امرأة..أنها قوانين تعجيزية!”.
وترى أن هذه الآلية في الترشح، تجعل من النساء مجرد يكور في القوائم الانتخابية، وهن غير مكوّنات في الغالب سياسيا، ولا يملكن حتى الشجاعة في المواجهة، وهذا ما يجعلهن لا يكشفن عن صورهن في القائمة الانتخابية.
وتأسفت فوزية بن سحنون، النائب السابق في البرلمان، من لجوء جمعيات لملء قوائم المترشحين الأحرار، حيث أن ذلك يعكس حسبها، عدم وجود مواقف سياسية قوية، وأهداف بعيدة عن الرغبات الشخصية، وهو ما ينم أيضا عن غياب تربية سياسية، وتتمثل خاصة في الجانب النسوي والذي لا يكون أحيانا عنصرا فعال ويقتصر على كونه إتمام لقوائم انتخابية في أسلوب” البريكولاج”.
أغلب المترشحات يفتقدن للخبرة أو الممارسة السياسية
وأكدت فوزية بن سحنون، أن أغلب النساء اللواتي ترشحن للانتخابات المحلية وخاصة البلدية، ليست لديهن أدنى علاقة بالسياسية أو حتى ممارسة في إطار جمعوي، وأن إبعاد حسبها ذوي الخبرة ومنعهن من الترشح، يجعل من المجالس البلدية والولائية، تسير حسب مقولة “تعلم الحلاقة في رؤوس اليتامى”.
وحجب الصور الخاصة بالمرأة المترشحة، دليل على عدم الثقة، والاضطرار إلى تواجد نساء لا يتمتعن بالحرية والاستقلالية ولا حتى بفرض أنفسهن داخل أسرهن، حيث ترى أن المرافقة يجب أن تكون من قبل في إطار التحضير لمثل هذه الانتخابات، حتى نتخلص حسبها من مقولة “برلمان الحفافات”.
شائعة جعفري: المترشحات بلا وجوه فاشلات من البداية
وتحدثت رئيسة المرصد الجزائري للمرأة، ونائب رئيس المجلس العالمي لتمكين المرأة، شائعة جعفري، بامتعاض وقمة الغضب عن نساء يتقدمن للترشح لخوض غمار الانتخابات ويطلبن أن لا تعلق صورهن في قائمة المرشحين، حيث قالت إن هؤلاء ينطبق عليهن المثل القائل “اللي حبت تغني ما دير النقاب” أي من تريد المواجهة لا تحجب صورتها في قائمة المترشحين.
وترى أنه ليس من الطبيعي أن توجد امرأة ترشح نفسها للانتخابات وخاص البلدية، وتخفي صورتها، حيث أنها من البداية تعلن أنها فاشلة ولا تملك الشجاعة، موضحة أن المرأة التي تترشح للانتخابات ولا تستطيع حتى إقناع عائلتها بأنها عليها أن تظهر للعلن في القوائم المرشحة للانتخابات، كيف لها أن تواجه وتقنع شعبا، وكيف تستطيع أن تنزل إلى الميدان وتتحدث مع محتجين وتعاين حوادث أو مشاكل على أرض الواقع.
وقالت جعفري، “أنا ضد هؤلاء المترشحات اللواتي لا يملكن مؤهلات المسؤولية، إنه نقص ثقة وقدرة ومعرفة بالدين والقانون والسياسة وعلم الاجتماع”.
متسائلة “كيف يمكن لهؤلاء التفاعل مع المواطنين وهن غير قادرات على أداء دورهن ولا تمتلكن الجرأة، ولا الفعل والفاعلية”.
ومن لا تستطيع الدفاع عن نفسها، لا تستطيع الدفاع عن الآخرين، حسب شائعة جعفري، مضيفة أن المادة 31 مكرر التي تقر تطبيق قانون “الكوتة”، يجب أن تتبع بآليات أخرى تأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة بالعنصر النسوي ومتابعة للمرأة ومرافقتها.
وقالت جعفري إن أغلب النشاطات الخاصة بالحملة الانتخابية تكون خارج توقيت العمل، وفي ظروف غير ملائمة، ولا تناسب المرأة، حيث هناك نقص لدور الحضانة، وبعض الخدمات التي تسهل نشاطها السياسي، وهو ما يجعل من المرافقة مطلوبة، لإيجاد مرشحات يمتهن الحياة ويمتلكن خبرة كمربيات ومكونات في المجتمع.
النظام القبلي والعشائري لا يسمح بالتنافس النزيه
في السياق، أكد البرلماني السابق، والحقوقي، صويلح بوجمعة، أن المرأة كانت حاضرة بقوة في المسار الثوري، وساهمت في ثورة التحرير والبناء، ولكن التطوّرات الأخيرة السياسية والتشريعية، حسبه، لا تتماشى مع التغير الحاصل في قيمة مشاركة المرأة في الحياة السياسية.
ويرى صويلح أنّ النظرة الحزبية الضيقة والإيديولوجيات، والنظام العشائري والقبلي لا يسمح للمرأة بالتنافس النزيه العلني والمرئي بالصورة والمشاركة الإعلامية، فحتى بعض المعتقدات أساءت إلى وجودها في المجال السياسي، خير دليل، حسب المحامي صويلح بوجمعة، أن المرأة في الحملات الانتخابية لا ترغب في إظهار صورتها.
وأكد صويلح، أن نظام المشاركة في الحياة السياسية والحصص ليست من طبيعة الجزائر فهو نظام معمول به في الديمقراطيات العريقة.
الخوف من تكرار سيناريو “الفرولة” وراء الامتناع عن نشر صور المترشحات
وأثارت موجة التهكم والسخرية التي طالت المترشحات سابقا للانتخابات التشريعية، حالة من الحرج والتجريح وحتى الإحباط النفسي لدى بعض المترشحات للمحليات، واستشرت لديهن حالة الخوف من الظهور في مجتمع جعل من المرأة في المعترك السياسي وصورها المعلقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشوارع، سلعة تباع بالذوق، خاصة بعد تصريح حزب سياسي أن صور المرشحات في قائمته “فرولة منتقاة بعناية”.
ودخل الجدل القائم حول صور المرشحات في إطار “تحرش علني”، وتجريح في سمعة بعضهن ووصف لأشكالهن، ومستوى جمالهن، خاصة أن بعض صور مرشحات تشريعيات 12 جوان الماضي، كانت معدلة عن طريق برنامج الـ”فوتوشوب” والـ”سناب شات” بعيدا عن الصور الرسمية والادارية المطلوبة في هذا المجال، ما أدخلهن في دائرة “السلعة السياسية” بعيدا عن كرامة المرأة وحرمتها ووجودها في المعترك السياسي ككيان قائم بذاته.. هي حالة من الاحتقان السياسي تركت آثارها في مرشحات تفادين نشر صورهن حتى لا يذقن مرارة السخرية والتهكم التي ذاقتها مرشحات للبرلمان.
الإصلاح: نحن أمام فرصة يجب استغلالها من أجل التغيير
اعتبر رئيس حركة الإصلاح الوطني بالنيابة، فيصل بوسدراية، أمس الثلاثاء بولاية تيارت، أن فتح المجال أمام الشباب للترشح، يشكل فرصة يجب استغلالها من أجل التغيير ضمن المسعى الوطني الذي يهدف إلى بناء جزائر جديدة.
ولدى تنشيطه لتجمع شعبي ببلدية سيدي علي ملال في إطار اليوم الثالث عشر من الحملة الانتخابية لمحليات يوم 27 نوفمبر الجاري، قال بوسدراية إن “فتح المجال أمام الشباب للترشح وتمكينه من الانخراط الواسع في العمل السياسي يشكل فرصة من أجل التغيير”.
وأشار إلى أن “الفرصة المتاحة أمام الشباب اليوم، والتي منحتها القوانين المنظمة للانتخابات، تشكل منعرجا هاما ضمن المسعى الوطني الذي يهدف إلى بناء جزائر جديدة من خلال دخول هذه الشريحة الهامة من المجتمع بقوة لمعترك الممارسة السياسة وتسيير المؤسسات، لا سيما على المستوى المحلي، برؤية جديدة”.
ودعا المتحدث المواطنين إلى التصويت لصالح القوائم التي تضم “الكفاءات والطاقات الشبانية التي ستحقق التجديد في مختلف أمور التسيير المحلي”.
وذكر المتحدث أن للولاية “قدرات وإمكانيات في قطاع الفلاحة الذي يعول عليه في تحقيق التنمية المحلية من خلال التركيز على الاستثمار في الصناعات التحويلية”، داعيا الشباب إلى “إبراز قدراتهم في هذا المجال واقتراح سبل الوصول إلى استثمارات ناجعة”.
و في الواقع ، ستظهر صور جميع نائبات مجلس الشعب الجزائري على شاشات التلفاز و في الصحف و في المناقشات المسجلة إعلامياً و اللقاءات ، لذلك فمن المدهش أن لا تعي الأحزاب السياسية بأن وجوه النساء ستظهر عاجلاً أم آجلاً ، و أن علاج ” الفرولة ” يبدأ من محاسبة المتحرشين الذكور و ليس بإخفاء صورة المرأة التي تُعرف بها ، و تعبر عن ذاتها و كينونتها و بالتالي يعد إخفاءها امتهاناً لهذه السيدة و استخفافاً بعقول الشعب.