يكاد لا يمر يوم واحد في مصر ، دون حادث قتل أو تعذيب لطفل أو طفلة على يد ذويه ، و تعد ممارسات العقاب البدني للأطفال مقبولة على نطاق واسع في مصر سواء اجتماعياً أو قانونياً و سواء كانت بالمنزل أو بالمدارس، و بسبب هذه الممارسات يستمر مسلسل قتل الأطفال في مصر، تحت حجة التأديب التي تمثل ثغرة طال استغلالها في القانون المصري .
و بالرغم من أنه منذ بداية من تسعينيات القرن الفائت بدأت الأدلة البحثية تتجمّع لتُشير إلى أن الضرب يُؤتي ثمارا تقع على النقيض تماما مما يمكن أن تتوقّع منه، حيث يتصوَّر الأب أو الأم أن ذلك سيُخضع الابن ويجعله أكثر هدوءا، لكن تبيَّن أن الضرب يساعد على تطوير سلوك مستقبلي عنيف، وربما مُعادٍ للمجتمع، لدى الأطفال. كما أنه يُخفِّض من هيبة الآباء في عيون أطفالهم حينما يصلون إلى المراهقة وما يتلوها من مراحل، نتحدث هنا عن دراسات ضخمة فحصت عشرات إلى مئات الآلاف من الحالات.
و العنف يولد أطفال غير أسوياء ، يقومون بصب جام غضبهم على الأضعف ، و لذلك تنتشر في مصر حوادث قتل و ضرب أطفال المدارس لبعضهم البعض ، و قد يستمر مسلسل العنف معهم بعد أن يبلغوا سن الرشد ، فيصب بغضبه على زوجته و أطفاله لتستمر دائرة العنف في المجتمع الذي يرى قانونه بأن الضرب الغير مبرح بغرض التأديب ليس بجريمة و لا بخطأ بل هو العمل بمقتضى التشريع الإسلامي.
إلا أن مجلس النواب قبل مراجعته لهذه الحوادث رأى بأنها جديدة و غير مألوفة على المجتمع المصري .
فقد تقدم عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين في مصر، النائب طارق الخولي بطلب مناقشة عامة بشأن سياسة الحكومة في مواجهة العنف الأسرى، وطلب الخولي رسميا إدراج مناقشة سياسة الحكومة في مواجهة العنف الأسرى على جدول أعمال المجلس.
وتابع: “حيث خرجت علينا الأخبار بجرائم غير مألوفة على المجتمع المصري، ما بين قتل الأزواج لزوجاتهم والعكس، وتعرض الأطفال لجرائم وحشية على يد ذويهم مثل: التعذيب، القتل أو الاغتصاب؛ وهو ما يدفعنا إلى ضرورة النظر بجدية فى تلك القضية المُلحة، التي من شأنها إحداث خلل في مكون الأسرة المصرية”.
وأضاف الطلب: “وما يدعم ذلك أن وزيرة التضامن الاجتماعي، قد أدلت بتصريح في سبتمبر الماضي بأن 42.5% من النساء المتزوجات اللاتي تتراوح أعمارهم بين سن 18 و64 عاما تعرضن للعنف النفسي من أزواجهن”.
وأضاف أن مدير خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للأمومة والطفولة، أبلغ عن أن خط النجدة قد تلقي خلال العام الماضي، 11 ألفا و761 بلاغا بتعرض أطفال للخطر أو الموت، من بينها 764 بلاغا بجرائم تحرش أو اغتصاب.
وتابع “العنف الأسري هو إحدى التفسيرات الواضحة على زيادة حالات الطلاق والتي سجلت 213 ألف حالة عام 2020، وفقا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء”.
وأشار الطلب إلى أنه: “من الضرورة القصوى استيضاح سياسة الحكومة لمواجهة تلك القضية، وحول ما إذا كانت تمتلك استراتيجية واضحة من شأنها الحد من الانتشار الملحوظ للعنف الأسرى، بداية من تحديد الأسباب التي تدفع الأفراد إلى ارتكاب جرائم أسرية، مرورا بعرض المسارات المطروحة والمبادرات المقترحة من جانب المؤسسات الحكومية والمجالس القومية المعنية، للتوعية بمخاطر العنف ونتائجه الكارثية وسبل دعم المعنفين، وصولا إلى تفعيل القوانين وإصدار تشريعات جديدة حاسمة لتلك القضايا”.
قانون الطفل المصري
تتضمن المادة المادة 7 مكرر (أ) ما نصه : “مع مراعاة واجبات وحقوق متولى رعاية الطفل، وحقه فى التأديب المباح شرعاً، يحظر تعريض الطفل عمداً لأى إيذاء بدنى ضار أو ممارسة ضارة أو غير مشروعة”.
و بالرغم من أن نص المادة لم يذكر بأن التأديب الشرعي يتمثل في الضرب إلا أنه لطالما تم استخدام هذه المادة للافلات من العقوبة بسبب أن التشريع الديني يسمح بضرب الأطفال للتأديب ، و قد نبه العديد من الحقوقيين خطورة الدمج بين ما هو قانوني و بين ما هو في التشريع الديني لأنه قد يتعارض أحدهما مع الآخر و بالتالي يصبح الأمر كما لو أنه لم يتواجد نص قانوني لمنع إيذاء أو تعنيف الأطفال بدنياً.
و ما يشهد به الواقع في مصر ، بأنه يوجد نحو 65% من المراهقين بين 13-17 سنة يتعرّضون للعقاب البدني بغرض التأديب، بشكل أساسي في المنزل ثم المدرسة، إضافة إلى تعرض الآلاف ممن يصغرونهم سناً إلى تعنيف بدني شديد ، قد يكون جلياً على وجوههم في بعض الأحيان دون أن يهتم لهذه العلامات أحد ، لأنه حتى إذا قام أحدهم بالتبليغ عن الأمر فسيفلت المعنفين للأطفال من جرائمهم بعبارات بسيطة مثل ( أنه لم يكن عامدا) أو بأنه ( يمارس حق التأديب الشرعي ).
و أما الميثاق الأفريقي لحقوق و رفاهية الطفل – و التي انضمت لها مصر في 1990 – فهو ينص على كلمة ( إشراف بدلاً من تأديب) و يذكر ما نصه في بند حماية خصوصية الطفل : ” لا يتعرض طفل للتدخل التعسفي أو غير المشروع في خصوصيته أو بيت أسرته أو مراسلاته، أو يكون عرضة للتهجم على شرفه أو سمعته، بشرط أن يكون للآباء أو الأوصياء القانونيين الحق في ممارسة الإشراف المعقول على سلوك أطفالهم، ويكون للطفل الحق في حماية القانون ضد مثل هذا التدخل أو التهجم”.
و إننا نتسائل بعد كل ما سبق ، عن الوقت الذي تتخلى فيه مصر عن المادة الثانية من الدستور و عن إقحام التشريع الديني الذي يتضمن أحاديث صحيحة و أخرى موضوعه و قتاوى متضاربة مع نصوص القوانين التي لابد أن تكون محددة و خالية من الثغرات التي قد تجعل الجناة يفلتون من العقوبة بعد جرائم قتل أطفالهم.
ماذا نناقش؟
وفي تقرير نشرته الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال قالت بأن الأضرار التي تنجم عن العنف ضد الأطفال ، يمكن أن تشمل العدوانية، وتغييرات في الدماغ، وتعاطيا للمخدرات، وسلوكا انتحاريا لدى الأطفال في مرحلة البلوغ.
في السابق، كانت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال تقول إنه يجب “تشجيع” الآباء على عدم انتهاج منهج الضرب. لكن هذه الأيام تقول الأكاديمية إن على الآباء ألّا يصرخوا أو يضربوا أو يصفعوا أو يهددوا أو يهينوا أطفالهم، وبدلا من ذلك عليهم أن يجدوا أشكالا “صحية ” أخرى لمسألة الانضباط وتعديل السلوك.
ويشير مجموعة الأطباء إلى أن الضرب -خاصة للأطفال الصغار- يتنافى مع الأبوة والأمومة.
و بالتالي فإنه في الوقت الذي يناقش في العالم خطورة ( الصراخ في وجه طفل) ، أو تهديده ، فإننا لازلنا نناقش في مصر بأنه لا يجوز تخفيف عقوبة الأب الذي يقتل طفله أثناء تعنيفه و ضربه – بغرض التأديب – إلى حد دفع بعض القضاة لإصدار حكم بسنة مع وقف التنفيذ لقاتل طفلة بماسورة حديد لأنها لا تقرأ جيداً في الحضانة .
من المدهش أننا دائماً متأخرون جدا ، برغم من توافر المعلومات و الدراسات العلمية و الأرقام و الإحصاءات التي تساعد على جودة اتخاذ القرارات ، من المدهش أننا في أعتاب عام 2022 نقوم بوصف جرائم العنف ضد الأطفال بأنها غير مألوفة على المجتمع الذي يقتل و يعذب و يعنف و يضرب مئات الأطفال بشكل يومي ، بل و يتركهم للنوم في الشوارع بعد كل ذلك .