تدفع الدول الأوروبية للعمال الذين أعادهم أصحاب العمل إلى ديارهم. هل يستطيعون تحمل ذلك؟ إليك كل ما تحتاج إلى معرفته:
ما هي خطتهم؟
على عكس الولايات المتحدة التي قدم فيها حوالي 30 مليون شخص طلبات للحصول على إعانة البطالة وأصبح ملايين العمال المؤقتين دون مصدر للدخل، لا يزال معظم العمال الأوروبيين يتلقون رواتبهم من أصحاب العمل.
وبدلاً من مطالبة العمال بالتقدم بطلب للحصول على إعانة البطالة وإرسال شيك إنقاذ بقيمة 1200 دولار، اختارت العديد من دول الاتحاد الأوروبي البدء في دفع جزء من رواتب عمالها، وبذلك لن تضطر الشركات إلى فصلهم. على سبيل المثال، تدفع ألمانيا للعمال حوالي 60 في المائة من أجرهم بحد أقصى يصل إلى 7575 دولارًا أمريكيًا في الشهر. بينما فرنسا وإسبانيا والدنمارك وهولندا لديهم خطط مماثلة، ولكن بحد أقصى أقل. تدفع المملكة المتحدة ما يصل إلى 80 في المائة من الأجور، بحد أقصى 3100 دولار في الشهر.
يتعين على أصحاب العمل عادةً دفع الرواتب مقدمًا ثم يستردوا المبلغ من الحكومة. بالنسبة لأصحاب المهن الحرة، تقدم لهم الحكومات الفيدرالية أو المحلية مساعدة نقدية مباشرة. ووفقاً لمعظم المصادر، كانت عمليات الدفع تتم بسلاسة.
قال المصور المستقل لورنز بوستيدت “لقد سارت بسرعة مدهشة وكانت كلها منظمة بشكل جيد للغاية”.
من جاء بهذا البرنامج؟
كانت ألمانيا رائدة في نظام دعم الأجور منذ سنوات. تعتمد النسخة الألمانية من الرأسمالية على علاقة جماعية بين العمل والإدارة. لتجنب تسريح العمال في أوقات الإنتاج المنخفض، ابتكرت ألمانيا مخططًا يسمى “كوغتس أغبيت” أو العمل لفترة قصيرة. عندما تقل طلبات الإنتاج لدى الشركات، فإنها تخفض من عدد ساعات العمل وتدفع الحكومة فرق الرواتب. عندما ينتعش الإنتاج مجددًا، تقوم الشركات ببساطة بزيادة عدد ساعات عمل العمال.
خلال الأزمة المالية لعام 2008، ارتفع عدد العاطلين عن العمل بنسبة 9% فقط في ألمانيا، مقارنة بـ 56% في الولايات المتحدة. يقول وزير العمل الألماني هوبيرتوس هايل: “لدينا واحدة من أقوى دول الرفاهية في العالم، وقد قمنا ببناء احتياطيات للأوقات الصعبة خلال الأوقات الجيدة”. قامت دول الاتحاد الأوروبي الأخرى بوضع نماذج لمدفوعاتها على هذا النظام.
كم عدد الأشخاص المستفيدين؟
حتى منتصف أبريل كان ما لا يقل عن 18 مليون عامل أوروبي يعملون أقل أو لا يعملون على الإطلاق – ومع مرور كل أسبوع تتزايد الأعداد. تقدر شركة الاستشارات الإدارية “ماكينسي” أن ما يصل إلى 59 مليون وظيفة في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في خطر، وهو ما يمثل 26% من إجمالي العمالة. مقارنة بنحو 54 مليون شخص معرضين للخطر في الولايات المتحدة.
وفي فرنسا وحدها، تقدمت حوالي 785 ألف شركة بطلب للحصول على دعم للأجور لحوالي 9.6 مليون عامل – أي نصف القوى العاملة في القطاع الخاص. في أيرلندا، يحصل الآن حوالي 40 في المائة من العمال على مساعدات حكومية. في إسبانيا التي تضررت بشدة، والتي لديها بالفعل نسبة بطالة تقدر بـ 13 في المائة، يمكن أن يرتفع المعدل إلى 20 في المائة. تتنبأ ألمانيا في المقابل بإرتفاع معدل البطالة من 5.2% إلى 5.9%.
كم سيكلف هذا؟
يعتمد ذلك على مدى استمرارية الأزمة. في بريطانيا، بافتراض أن مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة لمدة ثلاثة أشهر، فإن المجموع حوالي 51 مليار دولار، أو 2% من الناتج الاقتصادي للبلاد. في فرنسا، ستصل المدفوعات إلى 21 مليار دولار للأشهر الثلاثة المقبلة، ولكن في ألمانيا، لأن فوائدها كبيرة جدًا على أي حال، يجب أن تكون التكلفة الإضافية 11 مليار دولار فقط. يراهن القادة على أن نفقاتهم الضخمة الآن ستسمح لاقتصاداتهم بالارتداد بسرعة، لأن الأفراد لن يفقدوا وظائفهم أو منازلهم.
قال الاقتصادي الدنماركي فليمينغ لارسن لصحيفة ذا اتلانتيك: “إذا دُمرت حياة الناس الخاصة وأفلست الشركات، فإن الأمر سيستغرق سنوات لإعادة بناء ذلك مرة أخرى”. ولكن إذا استمرت عمليات الإغلاق لفترة أطول من ثلاثة أشهر، أو إذا وقع الاقتصاد العالمي في كساد استمر لسنوات، فقد تكون حصيلة أوروبا بالتريليونات.
كيف سيدفعون مقابل ذلك؟
أرادت الدول الأكثر فقرًا مثل إيطاليا وإسبانيا – والتي هي أيضًا من أكثر الدول تضررًا من الفيروس – أن يصدر الاتحاد الأوروبي “سندات كورونا” التي سيتم صرفها لتلك الدول التي تحتاج إلى المال أكثر من غيرها.
لكن ألمانيا وهولندا المحافظان مالياً تراجعا حيث إن ذلك سيجعلهما يدفعان ثمن ميزانيات مسرفة لا يسيطرون عليها. وبدلاً من ذلك، تخطط المفوضية الأوروبية لاقتراض 350 مليار دولار لتوفير حزمة من القروض والمنح للحكومات. لتسديد القرض – بحيث لا يُسمح للاتحاد الأوروبي بوجود عجز في الميزانية – فيقترح زيادة الضرائب على انبعاثات الكربون أو البلاستيك أو المعاملات المالية أو مزيج من ذلك.
كيف يقارن هذا مع الولايات المتحدة؟
يقول بعض الاقتصاديين أن النظام الأمريكي سيساعد الاقتصاد على الانتعاش بشكل أسرع مما هو عليه في أوروبا، لأنه سيسمح للعمال الذين تم تسريحهم أن يصلوا للأماكن التي تحتاجهم في اقتصاد ما بعد كوفيد 19، بدلاً من محاصرتهم في الصناعات التي قد لا تتعافى بالكامل لسنوات. ولكن الإعانات الأمريكية تعتبر أكثر تكلفة وتعقيدًا، ويسقط العديد من العمال والشركات الصغيرة سهوًا.
وقد أنفقت الولايات المتحدة بالفعل، التي يبلغ عدد سكانها 328 مليونًا إلى 446 مليونًا، أكثر من 2.6 تريليون دولار على قروض ومنح إنقاذ كورونا. من المتوقع أن يصل عجز الميزانية الأمريكية إلى 3.8 تريليون دولار على الأقل هذا العام.
يقول الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستيغليتز إن تكلفة اتباع خطة أوروبا ودفع أجور العمال بشكل مباشر ستكون “جزءًا مما ننفقه الآن”.
غضب إيطاليا من الاتحاد الأوروبي
تعتبر إيطاليا صاحبة أكبر عدد من الوفيات بسبب الفيروس في أوروبا، بأكثر من 28000 شخص حتى 1 مايو. ولكن حزمة إنقاذها التي تبلغ نحو 87 مليار دولار أصغر من حزمة دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، لأنها ببساطة لا تستطيع تحمل أكثر من ذلك.
بلغ الدين العام الإيطالي بالفعل حوالي 130 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وبلغت نسبة البطالة حوالي 10 في المائة قبل أن تضربها الأزمة.
إن إصرار الاتحاد الأوروبي على تقديم القروض بدلاً من المساعدات النقدية المباشرة لحكومات الدول الأعضاء التي تضررت بشدة أحبط إيطاليا وأثار مخاوفها من إجراء تخفيضات في الميزانية لسنوات أخرى. ونتيجة لذلك، تتصاعد حدة المشاعر المعادية للاتحاد الأوروبي. وجد مسح أُجري في أبريل أن 42 في المائة من الإيطاليين يفضلون الآن مغادرة الكتلة، لترتفع النسبة من 26 في المائة في نوفمبر 2018.
يحذر رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي من أن الوباء يشكل تهديدًا خطيرًا للعلاقات المتوترة بالفعل التي تربط الاتحاد الأوروبي معًا. وقال “إنه تحد كبير لوجود أوروبا”.