كثيرة هي المشاكل العمالية وهذه مسألة طبيعية فكل عمل ينتج عنه مشاكل ومن الطبيعي جداً أن تجد تلك المشاكل آذاناً صاغية لها واهتماماً خاصاً بها من أجل إيجاد الحلول لها وتذليل كافة الصعوبات التي تواجه العمالة أثناء تأديتهم أعمالهم وهذه الحلول والاهتمام حتماً سوف تكون لها إيجابيات على طرفي العمل وهما العامل ورب العمل، ذلك أن العامل سيؤدي عمله وبكامل طاقته ونشاطه مما يعطي إنتاجا عالي المستوى وبذلك يسير العمل بانسيابية وبالنتيجة تنصب تلك الفائدة لمصلحة رب العمل وهذه بمحصلتها النهائية تكون بمصلحة الدولة مما يدخل في عناصر تطور النمو الاقتصادي للدولة.
غير أنه لو كانت هناك مشاكل عمالية ولم يتم الاهتمام بها ولم تتم معالجتها بالشكل الصحيح وكذلك لم تكن هناك آذان صاغية تستمع إلى هذه المشاكل وتعمل على تذليلها فهذا يؤدي حتماً إلى تفاقم هذه المشاكل مما يؤثر سلباً على أداء العامل وبالنتيجة يؤثر سلباً على إنتاجه مما ينعكس سلباً على رب العمل وبالمحصلة سوف يكون هذا الحال ذا تأثير سلبي في عناصر التطور الاقتصادي للدولة ويعطل نموها بالكامل.
نحن هنا في هذا المقال لا نريد أن نتعمق بأنواع المشاكل وماهيتها ولكننا نحاول أن ندرس موضوع كيفية حل هذه المشاكل بما يحقق الأهداف المنشودة من استقدام العمالة ومشاركتها في التنمية الاقتصادية للدولة.
المشاكل العمالية بنوعيها سواء المفتعلة منها أو الطبيعية، يجب أن تلاقي حلولاً سريعة لضمان عدم استفحال الحالة ـ المشكلة ـ ومحاولة منع تطورها لتصبح ظاهرة مما يصعب السيطرة عليها لتكون بعد ذلك حجر عثرة أمام التطور التنموي للدولة. وتناول موضوع المشكلة المفتعلة وهذه تعتبر الآفة التي تصيب واقع العمل بمقتل وهي على نوعين، الأول المشاكل التي يفتعلها رب العمل وذلك للضغط على العامل من أجل التنازل عن بعض حقوقه وهذا نعتبره ـ إن جاز التعبير ـ الابتزاز العمالي ومن خلاله يحاول رب العمل أن يستنفد كل طاقات العامل بأقل الأجور.
وهذه المسألة بحد ذاتها تتنافى وقواعد الإنسانية والمعايير الدولية في التعامل مع العامل أو قد يفتعل رب العمل أي مسألة أو مشكلة من أجل التخلص من العامل بما يضمن أن لا يطالب بحقوقه التي ترتبت بذمة رب العمل نتيجة خدمته العمالية وقد يصل الموضوع إلى اتهام العامل بالسرقة أو خيانة الأمانة وغيرها من الجرائم محاولاً الضغط على العامل للتنازل عن حقوقه وغيرها من المشاكل المختلفة.
والنوع الثاني من المشاكل هي تلك التي يختلقها العامل ذاته لأسباب شخصية ومنها محاولته الانتقال إلى عمل آخر أو لإجبار رب العمل على زيادة أجره وغيرها من المشاكل وهناك حالات أفرزتها ساحة العمل استغل البعض الثغرات الموجودة في قانون العمل النافذ وقاموا بتحريض العمال على سلوك طريق غير قانوني للمطالبة بحقوقهم بغض النظر إن كانت تلك الحقوق شرعية أم غير شرعية .
وهذه قد تكون حالات ومن الممكن لو تم السكوت عنها من الممكن أن تصبح ظاهرة يصعب السيطرة عليها. أما المشاكل الطبيعية فهي تكون متولدة من طبيعة العمل وتطوراته والتي لا تكون للعامل أو رب العمل يد فيها غير أن طبيعة العمل تفرضها ومنها مثلاً تسريح العمال لإفلاس رب العمل أو المصنع أو تقليل العدد لعدم وجود إقبال على المنتوجات وهكذا.
هذه المشاكل سواء الطبيعية منها أو المفتعلة لابد من التصدي لها ومعالجتها، ففي الدول المتحضرة تعمل الحكومات على سن القوانين العمالية وفقاً للمعايير العالمية لغرض تنظيم شؤون العمالة وبشكل واضح ومعروف للكافة وتكون هناك مراجعة دورية لهذه القوانين بين كل فترة زمنية للوقوف على المشاكل المستجدة ومحاولة التغلب عليها من خلال تعديل مواد في تلك القوانين.
أو إضافة أخرى أو حذف بعضها أو إصدار قانون جديد إن استوجب الأمر. وهذه القوانين العمالية تأخذ على عاتقها وضع الحلول القانونية لكافة المشاكل مع احتواء تلك القوانين على البيانات والتعليمات العالمية الصادرة بشأن العمالة لمراعاة المعايير الدولية عندما يتم وضع قانون عمل في دولة ما.Volume 0%
ودولة الإمارات العربية المتحدة هي بين الدول المتقدمة والمتطورة في كافة المجالات وخصوصاً في السنوات القليلة الماضية التي أخذت طريقها في التقدم وعلى مختلف المستويات وبقفزات نوعية أبهرت العالم وأصبحت ملاذ المستثمرين ومن بين المجالات المتطورة كان اهتمام الدولة بالعمالة لأنها على يقين أن هؤلاء إنما يعتبرون عاملا استراتيجيا من عوامل تقدم الدولة ونمو اقتصادها لذا فهي اهتمت بهذه الفئة العاملة .
ومن بين هذه الاهتمامات هو إيجاد هيئات متخصصة لتعيين المشاكل والخلل والعمل على معالجتها بالطرق الصحيحة، ووصل اهتمامهاً أيضاً إلى مراجعة قانون العمل الحالي والذي أصبح بعد مرور الزمان قديما ولا يفي بمتطلبات العمل والعمال ولا يخدم تطور الدولة ونموها فبدأت تفكر بإنشاء قانون جديد قائم على المعايير الدولية الخاصة بشأن العمل والعمال وهو في طريقه ليرى النور عن قريب.
ورغم ذلك فإن هناك مشاكل عمالية بدأت تطفو على السطح للأسف أكثرها هي من نوع المشاكل المفتعلة بشقيها كما أسلفنا من ذكر بشأنهما وقد أشرنا إلى هذه المشاكل في مقالات سابقة ورغم ذلك أن هذه المشاكل لا تزال هي في مرحلة الحالات ولم تتجاوز إلى مرحلة الظاهرة وهذا يطمئن النفس والقائمين على حل المشاكل العمالية من إمكانية تجاوزها مستقبلاً من خلال قانون يضمن معالجة هذه المشاكل بل عدم وقوعها أساساً.
غير أننا نجد أن حل المشاكل العمالية لا يكون في موضوع سن قانون جديد والإيتاء بالمعايير العالمية ضمن مضامينه، بل أننا نجد أن مهما كانت صياغة القانون الجديد متينة ودقيقة ومهما تضمنت من معالجات عمالية وإنسانية فإن وضع المشاكل يبقى قائماً كما هو بل يمكن أن يتطور رغم المعالجات القانونية لماذا؟ …
لأن معالجة المشكلة لا تكمن في القانون وإنما في نظام الهيئات التي تنظر في النزاع القائم بين العامل ورب العمل أو العكس وهذا ما أشار إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي عندما تدخل شخصياً لوضع الحلول الاستراتيجية لحل المشاكل العمالية وضمان الحالة الإنسانية لهم وكان من ضمن تعليمات سموه سرعة حسم النزاعات العمالية. وفي حينها قلنا انه يجب ترجمة تعليمات سموه وفق آلية صحيحة يكون من شأنها ضمان حل المشاكل غير أنه وللأسف فإن هذه الآلية.
وكما توقعنا لم تكن هي المطلوبة وكنا نأمل ولضمان حسن سير تنفيذ التعليمات أن يتم تشكيل هيئة قضائية عمالية مستقلة عن المحاكم مُشكلة من قضاة ومتخصصين في شؤون العمال وأن يكون لها قانونها الخاص تنظر بقضايا العمال وتجد لها المعالجات والحلول خلال أيام وليس خلال أشهر طويلة كما يجري الآن وبهذه الطريقة يضمن العامل ورب العمل حقوقهما بالسرعة اللازمة.
ونكرر هنا الدعوة إلى تشكيل هذه الهيئة في مقالنا هذا ونجدها ضرورة تفرضها الظروف الحالية للحد من تطرف بعض أصحاب العمل من هضم حقوق العمال وكذلك لعدم فسح المجال أمام بعض العمال من اللجوء إلى المحاكم لكسب الوقت على حساب رب العمل.