أشكر زميل المهنة الأستاذ يحيى قلاش لأنه كتب في هذا التوقيت “الإماراتي” عن تاريخ نقابة الصحفيين المصريين ضد التطبيع مع العدو الصهيوني. أشكره ككاتب مصري له فضل المبادرة. والأهم انني اشكره لأن ما يكتب له اهمية ورمزية خاصة بوصفه نقيبا أسبق للصحفيين المصريين ( بين 15 و 2017).
كتب يحيى قلاش تحت عنوان “حظر التطبيع ياناس” مذكرا بريادة نقابتنا في مواجهة شراسة وبطش السادات الكامب ديفيدي حين رفعت الصوت ضد التطبيع وفي التشديد والتشدد مرة تلو أخرى ومع مرور الزمن على حظر التطبيع النقابي إلى المهني إلى الشخصي عبر قرارات جمعيتها العمومية ومجالسها المنتخبة. كتب فأعاد إلى الذاكرة شيخ نقباء الصحفيين الراحل الأستاذ كامل زهيري حين خاض بشجاعة أول مواجهة مع سلطة الدولة حول التطبيع في نهاية السبعينيات. كما اعادني لتأمل ماكتبت تحت عنوان ” سامي منصور مرة أخرى ” في ” الأهرام ” بعدد 22 نوفمبر 2016. وجاء في نهاية هذا المقال بمناسبة الذكرى الأولى لرحيله:
“فهم علاقة كاتب مثقف بوزن وقيمة سامي منصور مع الأهرام تتطلب ان نشير على سبيل الختام الى دوره النقابي المقدر عندما كان عضوا بمجلس نقابة الصحفيين ومقررا للجنة حرياتها في سنوات نهاية السبعينيات العصيبة. فقد أطلق مبادرة تشديد حظر التطبيع مع إسرائيل وفي يوم رفع علم سفارتها بالقاهرة. وهو مالم تنشره صحيفته أو أي من الصحف القومية، وحفظه لنا أرشيف جريدة “الشعب” المعارضة. وتحديدا بعدد 26 فبراير 1980. وهذا الموقف اختيار كاتب ومثقف وناصري يساري من طراز خاص قرر الاتساق مع فكره وضميره، فيما أخذ رجال كامب ديفيد ممن رافقوا السادات الى القدس المحتلة يحكمون قبضتهم على المؤسسات الصحفية والبحثية ويصادرون كل رأي مختلف و معلومة لا تروق (للريس). ولعل في تكلفة هذا الاختيار ما يساعدنا على فهم سيرة سامي منصور الرجل والظاهرة “.
واليوم أتأمل هذا النص على ضوء صمت مجلس نقابة الصحفيين المصريين عن أي تعليق أو موقف من معاهدة التطبيع الإماراتيه فيما نطقت وعبرت واعترضت نقابة الصحفيين التونسيين على سبيل المثال ووقعت بيانا مع منظمات أخرى للمجتمع المدني في بلادها. و تماما كما اختارت نقابة الصحفيين المصريين الصمت في السنوات الأخيرة ولعشرات المرات على الاختفاء القسري واعتقال عشرات الصحفيين وتلفيق الاتهامات لهم بما لا يقبله ضمير ولا يتقبله عقل. أتأمل فيلفت النظر أمران:
الأول مدى الترابط بين الحرية والديمقراطية من جانب والموقف من العنصرية الصهيونية من جانب آخر . ويبدو انها ليست مصادفة أن يكون حينها سامي منصور مقررا للجنة الحريات كي يطلق مبادرة تشديد حظر التطبيع.
والأمر الثاني هو أنه في ذروة جبروت وشراسة السادات بعد انتفاضة يناير الشعبية يناير 1977 وعزلته بصلحه مع العدو الصهيوني وبعدما شدد قبضته على الصحف والصحافة كانت وظلت هناك نقابة للصحفيين يمكنها أن تأخذ الموقف النقيض مما يجرى في الصحف وما يسمح لها بنشره. وهنا تظهر مع تأمل النص المنشور عن الراحل الأستاذ سامي منصور المسافة بين ” الأهرام ” كبرى الصحف القومية التي يعمل بها منصور وبين نقابة الصحفيين.
من المؤسف أن تصمت اليوم نقابة الصحفيين المصريين بكل تاريخها مع القضايا الوطنية والقومية إزاء معاهدة حكام الإمارات مع الصهيونية. من المؤسف هذا الصمت الآن بالنسبة نقابة رأي تحمل على مدي أكثر من أربعين عاما كل هذا التراث المتراكم في مقاومة التطبيع. صحيح واحقاقا للحق ولتوخي الدقة فإن هذا التراث الجليل لم يتخط كثيرا ـ وإلا فيما ندر ـ دفاتر القرارات المعلنة إلى توقيع العقوبات على الصحفيين المطبعين المخالفين. لكن وعلى كل حال فقد ظلت هذه القرارات بمثابة دليل وعي ورادع معنوي بما حال دون ان يصبح التطبيع مع كل موجة من موجاته ـ مرورا باتفاقات أوسلو مصحوبة برغبات السلطة الفلسطينية في التسعينيات ـ سلوكا شائعا مقبولا. فظل المطبعون بين الصحفيين المصريين الأقلية. وفي الأغلب بقي من يتورط كسارق يخفى فعلته الشنعاء حتى يتكشف أمره.
للأسف تفقد نقابة الصحفيين المصريين اليوم من رصيدها المعنوي في محيطها بكل دوائره الاقليمية. وتصبح المقارنة ليس في صالحها مع نقابات عربية أخرى كنقابة الصحفيين التونسيين التي اخذت موقفا ناقدا واضحا من معاهدة الإمارات التطبيعية. ولعل هذه الخسارة تعد امتدادا طبيعي للتراجعا والصمت إزاء قضايا الحريات سواء بالنسبة للصحافة والصحفيين أو في المجتمع المصري بأسره. وفي هذا وذاك مزيد من فقدان “القوة الناعمة” لمصر، و كما يحلو للبعض أن يتحدث بهذا المصطلح والمفهوم.
في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات أثبت صحفيون نقابيون في مصر أنهم مدركون لمكانة نقابتهم وموقعها المستقل عن السياسة الرسمية حين ارتفع العلم الإسرائيلي فوق سفارة في سماء القاهرة . لكن حين تنتقل نقابة الصحفيين من مكانها الطبيعي المقدر كإحدى مكونات المجتمع المدني الوازنة الى الالتحاق بأجهزة الدولة والتبعية لها فقل على الدنيا السلام. وهو المنطق الذي جرى الترويج له في الصحافة والنقابة اعتبارا من عام 2013. وبالطبع حين يجلس من هو في منصب حكومي ( رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ) على مقعد نقيب الصحفيين المصريين فمن الطبيعي ألا يجد الصحفيون مقعدا للجلوس في نقابتهم ويجرى اغلاقها أمامهم وفي وجه قضايا المجتمع والأمة.
وعلاوة على كل ما سبق ، فإن نقابة الصحفيين ومجلسها معنيان ببعد خاص آخر في علاقة بتطبيع حكومة الإمارات. ألم يكن ينبغي التدارس والتحذير وتخفيف الضغوط نقابيا على عدد لابأس به من الصحفيين المصريين العاملين في الصحف وسائل الإعلام الأخرى بدولة الإمارات هناك أو في مكاتب لها هنا بالقاهرة. وبماذا يمكن أن تساعدهم نقابتهم اذا ما وجدوا انفسهم تحت ضغوط ممارسة تطبيع يتناقض مع قرارات الجماعة الصحفية المصرية ومع قناعاتهم. بالطبع الموقف معقد وصعب وحساس لكنه يحتاج في كل الأحوال نقاش ودور لنقابة الصحفيين المصريين إزاء حقوق اعضائها والحفاظ على أمانهم في اعمالهم.
ومع أن تطورات كثيرة جرت على نقابتنا وبخاصة خلال السنوات القليلة الماضية تدعو لليأس في أن تنطق بكلمة حق في وجه معاهدة جائرة ضد الحقوق الفلسطينية والعربية وتهدد مصالح اعضائها ، فإنني وغيري ـ وفي يقيني معنا ويتقدمنا الأستاذ يحيى قلاش ـ سنظل ننادي:
“صح النوم يانقابة “.
الكاتب صحفي مصري عمل في جريدة الأهرام المصرية وصحف أخرى حتى بلوغة سن المعاش