ليس هناك خطأ في عنوان هذه اللقطة؛ فأنا أتحدث عن الراحل البدرى فرغلى. ولكنى أستخدم اسم “البدر” للإيحاء بالصفة. فالبدرى ظل طول حياته بدرا ينير الطريق للآخرين. كان وهو وسط عمال شركة الحاويات ببورسعيد ينير لهم الطريق كقائد عمالى عاش بين العمال وبهم ولهم. وخاض بهم ومعهم معارك مهمة، كرئيس لنقابة العمال بالشركة، دفاعا عن حقوقهم وحماية للقطاع العام. كان بورسعيديا حتى النخاع. مقره الدائم في الشارع بين الناس، في كافيتريا سمارة. أنار الطريق للبورسعيدية، فحملوه إلى البرلمان أربع دورات متتالية نائبا من حزب التجمع. وهو الموقع الذى أبلى فيه بلاء حسنا، فقدم نموذجا في كيفية الرقابة البرلمانية الواعية والشجاعة على أعمال الحكومة. وبعد ترك البرلمان انتقل إلى صفوف أصحاب المعاشات، فأنار لهم الطريق لتأسيس اتحاد يضم 9 ملايين عضو. دخل بهم معركة العلاوات الخمس محققا نجاحات تاريخية. التقينا بعد تأسيس حزب التجمع في إبريل 1976، وتحاببنا. وتوطدت علاقتنا بعد دخوله البرلمان عام 1990. لفت نظرى جرأته في الحق. وأعجبتنى لهجته البورسعيدية القُحَّة؛ خصوصا عندما كان يتساءل مستنكرا: “إيه دِهْ؟” ولن أنسى أبدا تلك المرة التى طلب منى أن أساعده في إعداد استجواب لوزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالى. رحبت بطلبه، وزودته بأفكار ومعلومات تتصل بموضوع الاستجواب. وألحَّ علىَّ أن أحضر جلسة الاستجواب، فرحبت تقديرا لحماسه الشديد. يومها جاءنى يوسف بطرس غالى في البهو الفرعونى قبل الجلسة مباشرة، وبادرنى قائلا بلهجة سوقية تدل على الغرور والزهو بنفسه والاستخفاف بالبدرى: “أنا هاشَحْوَرْهولك”. فكان ردى عليه حاسما: “إن كان فيك الله يعافيك. احنا مجهزينه كويس”. لم تكن مواجهة بين البدرى والوزير، بل كانت مواجهة بين حزب التجمع والحزب الوطنى. كان استجوابا تاريخيا. اعتلى البدرى المنصة، وصال وجال. وانتزع تصفيق القاعة بأغلبيتها الساحقة من الحزب الوطنى، رغم أنه شن هجوما كاسحا على وزيره وسياساته. فضح الفساد واهدار المال العام والانحياز الطبقى الصارخ. ثم فاجأ الجميع عندما أمسك بملف كان معه، ولوح به عاليا وهو يقول بأعلى صوته “الدليل على كلامى معايا أهو .. المستندات معايا أهى”. على غير عادته، نظر الوزير المغرور الى الأوراق المرفوعة في الهواء ولم ينطق. كما ان كمال الشاذلى وزير مجلسى الشعب والشورى لم يتدخل هو الآخر، على غير عادته. ويبدو أن الوزيرين تصرفا من منطلق “اللى على راسه بطحة”. فقد تخيلا أن البدرى كان يحمل بالفعل أوراقا تدين الوزير وحكومة الحزب الوطنى، فآثرا الصمت المهين. الطريف ان البدرى لم يكن يحمل المستندات التي تصوراها. لكنه كسب الجولة باقتدار. كان البدرى على اتفاق معى على أن التجمع بقيادة الدكتور رفعت السعيد يأخذ مواقف قريبة من نظام مبارك والحزب الوطنى وبعيدا عن نبض الشارع، وأن ذلك يضر بشعبية الحزب كثيرا. ورغم انتقاداتنا الشديدة لمواقف قيادة الحزب، وخصوصا الدكتور رفعت السعيد، إلا أننا كنا دائما ملتزمون بوحدة اليسار وبالعمل في إطار التجمع والسعى لاصلاحه من الداخل بدلا من الانشقاق. وكان ذلك أحد الثوابت التي جمعتنا. وعندما اشتد الخلاف مع الدكتور السعيد، قرر عدد من الزملاء على رأسهم المرحوم أبو العز الحريرى وعبد الغفار شكر وإبراهيم العيسوى الاستقالة من التجمع وتأسيس حزب التحالف الشعبى. وكان رأينا أن هذا الموقف سيخلق كيانا ضعيفا ويساهم في إضعاف التجمع وقوى اليسار المصرى. الذى أصبح يعانى بالفعل من ظاهرة الانشطار المتسلسل.