في ظل الزخم الفكري القائم حول حقوق المرأة في الميراث و بسبب ضعف الوازع الديني الذي كان يدفع ( الإخوة الأشقاء أو الأعمام ) لرعاية ( أخواتهن أو بنات المتوفي ) مادياً في كل متطلبات حياتهن ، تفجرت قضايا لآلاف النساء اللواتي حرمن من نصيب عادل في الميراث لصالح الرجال فيما لم يقم الأخرون بواجب الإنفاق ، مما دفع مفتي الديار المصرية السابق علي جمعة لإصدار فتوى تبيح كتابة الأب التركة لبناته في أثناء حياته بهدف تأمين مستقبلهن دون أن ينوي حرمان أحد من الميراث، أيّ أنه طالما لم تتوافر نية إلحاق الأذى بالآخرين فلا إثم على الأب في ذلك.
و قد أثارت الفتوى العديد من ردود الأفعال ، فقد تعرضت دار الإفتاء المصرية لانتقادات حادة من رجال دين ( يغلبون النص على فهم ظروف تشريعه و على الهدف منه ) ، فيما أشاد الكثير من الناس بالفتوى لكونها تعد ثورة في تغيير النظرة الدينية لتمكين المرأة اقتصادياً و الذي سيتناسب طردياً مع منحها القدرة على استرداد باقي حقوقها المسلوبة في المجتمعات الذكورية .
وقد بنى الرافضون لإباحة توزيع الأب ميراثه على البنات بأن ذلك يمنع باقي الورثة من الحصول على حقوقهم مثل الأعمام ، بأن المرأة بطبيعتها لا تستطيع الحفاظ على أموالها مثل الذكور، وهي نظرة اجتماعية سلبية اعتاد بعض الأهالي التعامل بها مع النساء ، وطالما كان ذلك سبب في حرمانها من الميراث عبر عقود طويلة مضت في بعض الأماكن بمصر، خاصة في جنوبها. حسمت دار الإفتاء الجدل المجتمعي ودعمت رأي المفتي السابق حول حرية الإنسان في التصرف بتركته في حياته، وقالت من المقرر شرعًا أن التسوية بين الأولاد في العطاء والهبة أمر مستحب، “فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي محمد (ص) قال: ساووا بين أولادكم في العطية، ولو كنت مؤثراً أحدا لآثرت النساء على الرجال”.
وأضافت الدار، “لكن قد يخص الشخص الواهب بعض أولاده بعطاء زائد عن البقية، أو يوزع تركته على بناته لحاجة كمرض أو كثرة أولاد أو صغر السن، أو مساعدة للزواج، أو مساعدة على التعليم والدراسة ونحو ذلك، فلا يكون الإنسان حينئذ مرتكبا للظلم، ولا إثم عليه في ذلك، لأنه تصرف فيما يملك حسب ما يراه محققا للمصلحة”.
وأمام احتدام الجدل ضاعفت دار الإفتاء من تفسيراتها الخاصة بأحقية الرجل كتابة أملاكه لبناته أو منح إحداهن حقها وهو على قيد الحياة بحكم ضعف العلاقات الأسرية في الوقت الراهن، ووجود الكثير من الخلافات العائلية التي تجعل الأب يخاف على أولاده من الورثة، وهذا لا يعني أن يخالف الشرع، بل يتصرف في حر ماله الخاص دون ارتكاب تحريم.
فهل تكون إجازة توزيع تركة الآباء على الفتيات كافية لوضع الحد لنهب ميراث المرأة ؟ ، أم أنها ستفتح الباب لتغيير القوانين السالبة لحق المرأة في الميراث لجعل حصتها نصف حصة إخوتها من الذكور و كفرض توريث الإخوة من الأعمام الذكور إذا لم يكن لبنات المتوفى إبن ذكر في الأسر ؟ و بالمختصر ، هل ستطبق مصر وثيقة سيداو الدولية لحقوق المرأة كاملة مكملة ، لاسيما بعد صدور الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ، أم أنها ستنتظر دار الإفتاء دوماً لتغير ما هو واضح من حقوق من خلال الإحصاءات و الأرقام التي لا تخطيء و لا تتأخر أبداً ؟