في الوقت الذي يلاحظ فيه الشعب المصري اختفاء الكثير من الأدوية رخيصة الثمن في السوق لصالح أدوية أخرى لذات الأمراض و لكنها أكثر سعراً قمنا بالتقصي وراء أسباب هذه الظاهرة .
فمصر تستحوذ على أكبر عدد مصانع للأدوية والمستحضرات الصيدلانية في المنطقة العربية كلها وفقاً لتقرير أعدته شركة “جي وورلد” للإدارة ، ويأتي بعد مصر من حيث عدد مصانع الأدوية تونس بـ 119 مصنعًا ثم السعودية بـ 53 مصنعًا.
و قد رصد ذات التقرير عدة أرقام حول تطور حجم إيرادات سوق صناعة الأدوية عالميًا على مدار 6 سنوات ، و قد تضمن بالتالي تطور إيرادات سوق الأدوية في مصر .
وكان أبرزها أن حجم القيمة السوقية لصناعة الأدوية في مصر خلال الربع الأول من 2019 بلغت 4 مليارات دولار لتحتل بذلك المركز الثاني بين قائمة الدول العربية التي تصدرتها السعودية بقيمة 8.2 مليار دولار.
وفي مارس 2019 بلغ حجم استثمارات 2193 شركة في قطاع الصناعات الدوائية في مصر 5.53 مليار دولار وفي النصف الأول من 2021 افتتحت مصر أكبر مدينة دوائية في منطقة الشرق الأوسط.
وسجلت واردات مصر من الأدوية والمستحضرات الصيدلانية في عام 2020 نحو 2.26 مليون دولار بتراجع عن عام 2019 والذي سجل 2.60 مليون دولار.
وصدرت مصر أدوية ومستحضرات صيدلانية بقيمة 267.9 ألف دولار في 2020 مقابل 271.8 ألف دولار في 2019.
وسجل الميزان التجاري للأدوية في مصر عجزًا بلغ قيمته 1.99 مليون دولار خلال 2020، وفقًا للتقرير.
و نحن هنا نتفهم أن يرى التقرير الذي أعدته ” جي وورلد ” تقدماً في مجال الدواء من ناحية زيادة الإيرادات التي تصب حتماً في صالح شركات الأدوية و لكننا نتسائل في ” جهود ” الذي يهتم ” بالعدالة الاجتماعية ” عن ما يصب في صالح المرضى من الشعب المصري ، الذي لم يعد استهلاك الأدوية بالنسبة له أمراً يسيراً كالسابق .
فنفس التقرير قد رصد أن حجم إنفاق الفرد في مصر على الدواء والأجهزة الطبية في الربع الأول من 2019 يبلغ نحو 18.3 دولار، لتكون بذلك مصر أقل الدول العربية إنفاقًا على الأدوية.
و ننوه أن التقرير هنا لم يرصد الشراء الشعبي للأدوية و حسب ، و لكنه ضم المستشفيات و المراكز الطبية التي تشتري الأدوية و الأجهزة الطبية أيضاً ، بما فيها المستشفيات الاستثمارية الكبرى ، فإذا كان الاستهلاك الدوائي بالنسبة لكل هؤلاء هو ( الأقل ) عربياً رغم العدد السكاني الهائل لدولة مثل مصر ، فإنما يدل ذلك على فقد قدر كبير من القدرة الشرائية الشعبية للدواء .
و عند تفاقم أزمة الكورونا اتجه الشعب المصري لشراء الفيتامينات المقوية للمناعة ليتفاجأ باختفاء العديد منها مثل ( فوار الجي سي مول ، فيتامين فيتاماكس بلاس و أخيراً فيتامين فوار سيلونا ) و العديد من الأدوية الأخرى التي تم منعها لصالح الأخرى الأكثر ثمناً.
و في النهاية نتسائل إذا ما كانت زيادة إيرادات الأدوية في مصر مع قلة القدرة الشرائية على الدواء تعد في نظر العدالة إنجازاً أم إخفاقاً كبيرة ، على الدولة أن تتداركه و تعيد للسوق تلك الأدوية التي كانت في متناول الاستهلاك لعموم الشعب المصري ؟