جزيرة الوراق هي جزيرة مصرية في نهر النيل تقع في نطاق محافظة الجيزة، و تتميز الجزيرة بموقع فريد في قلب نهر النيل، حيث كانت تعتبر محمية طبيعية بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1969 لسنة 1998 الخاص بإنشاء محميات طبيعية وذلك حتى عام 2017 حيث استبعدت من تطبيق هذا القرار بموجب قرار لرئيس مجلس الوزراء .
يبلغ عدد سكان الجزيرة حوالي 60 ألف نسمة، يعتمد غالبيتهم على نشاطي الزراعة والصيد كمصدر دخل رئيسي، ومن أهم محاصيلها البطاطس والذرة والخضروات بأنواعها.
نامت أعين سكان الجزيرة و صحت على نزاعات قانونية شديدة بين حقهم كقاطني للجزيرة منذ سنوات و بين مشاريع تطويرية للحكومة المصرية منذ عام 2000 ، و كان النزاع القضائي يتركز حول ملكية بعض قطاعات الجزيرة ، حيث بدأ النزاع مع صدور قرار رئيس مجلس الوزراء عاطف عبيد بتحويل جزيرتي «الوراق والدهب» إلى منافع عامة.
وفيما حصل قاطني الجزيرة على حكم قضائي عام 2002 بأحقيتهم في أراضيهم ، صدر في عام 2010 قرار لرئيس مجلس الوزراء أحمد نظيف بترسيم وتوقيع الحدود الإدارية النهائية لخمس محافظات، جاء من ضمنها جزيرة الوراق بمحافظة الجيزة، وقررت الحكومة حينها وضع خطة لتطويرها إلا أن ثورة يناير والأحداث السياسية المتتالية أوقفت هذه الخطة.
وتجدد الحديث عن الجزيرة في يونيو 2017 ، عقب مؤتمر الرئيس عبدالفتاح السيسى الذي شدد فيه على إزالة المخالفات والتعديات على أراضى الدولة، والذى أصدر على خلفيته المهندس شريف إسماعيل قرارًا باستبعاد 17 جزيرة من تطبيق قرار رئيس الوزراء رقم1969 لعام 1998 والذى كانت الجزيرة بموجبه تصنف كمحمية طبيعية، وفى يونيو 2017 ،تقدم النائبان محمود الصعيدى واحمد يوسف بأوراق إلى رئيس مجلس النواب تُثبت ملكية الأرض للأهالى.
على الرغم من ذلك، استيقظ سكان الجزيرة، صباح الأحد 16 يوليو 2017 ، على أصوات أقدام أفراد الأمن، والمعدات التي جاءت تطرق أبواب الجزيرة، وفوجئ السكان بكثافة قوات الأمن التي غطت الجزيرة من جميع الجهات، وقال أسامه السيد، أحد السكان: «لما روحنا نسألهم قالولنا إنهم جايين يأمنوا كوبرى روض الفرج، على الرغم من توقف العمل في كوبرى محور روض الفرج الذي يمر من الجزيرة قبل أيام من بدء الإزالة». وتابع أنهم فوجئوا بعد دقائق ببدء قوات الأمن أعمال الإزالة باستخدام معدات إنشاء الكوبرى، ليسفر الأمر عن اشتباكات بين قوات الأمن والسكان، أدت إلى مقتل أحد سكان الجزيرة، يدعى سيد حسن على الجيزواى، ويشتهر بـ «سيد الطفشان»، في الثلاثينات من عمره.
كانت الصدمة شديدة على سكان الجزيرة الذين لم يتم تنبيههم قبل عمليات الإزالة و لا حتى بيوم واحد بأن منازلهم ستهدم ، حضر الأطفال في الجزيرة عمليات هدم منازلهم و المواجهات العنيفة بين السكان و قوات الأمن .
لم يتم احترام كرامة و إنسانية سكان الجزيرة في كيفية الهدم – حتى مع افتراض أحقيتهم القانونية في عمليات الإزالة – ، و تم اعتقال العديد من السكان من المستشفيات الني لجأوا إليها بعد إصابتهم خلال المواجهات .
في عام 2018 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل، بإنشاء مجتمع عمراني جديد على أرض الجزيرة يتبع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، على أن تنتقل ملكية الأراضي الحكومية في الجزيرة إلى الهيئة وبتم تعويض الأهالي من ملاك الأراضي والمنازل إما مادياُ أو عينياً بقطع أراضي ووحدات سكنية بديلة.
ويرفض معظم الأهالي ترك منازلهم ويخشون من أن يكون الهدف من الإخلاء إقامة مشروع استثماري كبير يتضمن أبراجا وفنادق سياحية على حساب أراضيهم الزراعية ، كما أنهم لا يرغبون في ترك بيوتهم إلى المجهول خصوصاً و أن غالبيتهم لا يملك قيمة شراء منزل آخر و لا يمتهن سوى الزراعة ، و لم تقم الدولة بدورها بإرسال لجان لمحاورة السكان و فهم مخاوفهم و دراستها كما تقعل الدول التي تهتم بحقوق مواطنيها مما زاد حالة الغضب و الاحتقان لدى سكان الجزيرة .
و قد قضت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة في طرة، برئاسة المستشار محمد السعيد الشربينى، يوم 27 ديسمبر من العام الماضي، بالسجن المؤبد لمتهم، والسجن المشدد 15 سنة لـ 30 متهما غيابيا، لاتهامهم بالتجمهر والتعدى على قوات الشرطة وإصابة 33 ضابطا وفردا فى أحداث شغب جزيرة الوراق، وعاقبت 4 متهمين بالسجن 5 سنوات، بالرغم من عدم وجود أحراز في هذه القضية و بالرغم أيضاً من أن بعض المتهمين قد أصيبوا في هذه المواجهات و ذكرت صفحة الاشتراكيين الثوريين أن بعض المعتقلين مصابين بعاهات مستديمة جراء هذه المواجهات.
وقبل النطق بالحكم ألقى رئيس المحكمة كلمة جاء فيها: “إن المحكمة تؤكد بقناعتها على أن الأصل في الشريعة الإسلامية أن الأموال جميعها مردها إلى الله تعالى، أنشأها وبسطها وإليه مرجعها، مستخلفاً فيها عباده الذين عهد إليهم بعمارة الأرض، وجعلهم مسئولين عما في أيديهم من الأموال التي لا يبددونها أو يستخدمونها إضراراً”.
واختتم بالقول :”ولما كان ما تقدم وكان الثابت في أوراق الدعوى أن أرض جزيرة الوراق بعضها مملوكاً لهيئة الأوقاف المصرية وبعضها مملوكاً لوزارة الزراعة وهيئة المجتمعات العمرانية، وكان لوزارة الري حق الإشراف على تخومها والمحافظة على نيلها العظيم، وكان الثابت من الأوراق أن بعض واضعي اليد على هذه الأرض قد قاموا بالبناء عليها بغير ترخيص، والبناء على حرم نهر النيل، وزراعتها بمزروعات مخالفة الأمر الذى به أصدرت الدولة ممثلة فى وزارتها المعنية وبحق قررت إزالة لهذه التعديات”.
و نتسائل عن معنى عبارة ” مزروعات مخالفة ” في دولة لا تمثل المساحات الزراعية فيها سوى 3% من مساحة أراضيها و في جزيرة قد اعتبرت محمية طبيعية على مدار 19 عاماً من تاريخ مصر .
و قد أوضح المهندس أسامة شوقى في 27 يوليو من هذا العام، رئيس جهاز تنمية مدينة الوراق الجديدة، تفاصيل الموقف التنفيذى لوحدات الإسكان البديل، الجارى تنفيذها بجزيرة الوراق لمن يرغب من السكان فى العودة إلى الجزيرة بعد تطويرها، حيث يجرى تنفيذ 18 برجاً سكنياً، وجارٍ تنفيذ أعمال التشطيبات بعدد من الأبراج ، و لا يعلم سكان الجزيرة غذا ما كانت هذه الشقق ستوفر لهم بشكل مجاني أم بمقابل مادي لا يقدرون عليه .
و قد تضامن مع سكان جزيرة الوراق الكثير من الحقوقيين و النشطاء ، في حقهم بالحفاظ على أراضيهم الزراعية و عدم تبويرها تحت شعار ” إزالة التعديات ” ، كما تضامنوا مع مطالبهم ،و التي من أبرزها :
1- الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين من جزيرة الوراق، والتوقف عن تلفيق القضايا السياسية والجنائية لأهالي الجزيرة.
2- رفع الحصار المفروض على الجزيرة والتوقف عن التضييق على المواطنين على معديات الجزيرة.
3- التوقف عن تبوير الأراضي الزراعية بالجزيرة ووقف حجب الأسمدة عن الفلاحين.
4- وقف مخطط تهجير أهالي جزيرة الوراق ووقف مخطط إنشاء المشروع الاستثماري على أنقاض منازل الأهالي وأراضيهم الزراعية.
5- إشراك الأهالي في أيِّ مخطط يخص أراضيهم ومنازلهم، واعتبارهم أصحاب القرار لأحقيتهم التاريخية والقانونية لتلك الأراضي.
6- محاكمة قتلة الشهيد سيد الطفشان، الذي قُتل بخرطوش الشرطة خلال محاولة إزالة منازل الأهالي يوم 16 يوليو 2017، وتعويض المصابين ومحاسبة المسئولين عن تلك الأحداث.
و حول إشكالية كون أن عمليات البناء قد تمت على أراض كانت محمية طبيعية ، نتسائل عن سر استطاعة هؤلاء السكان تركيب عدادات كهرباء و مياه من قِبَل الحكومة المصرية التي تعتبر منازلهم الآن ( تعديات ) ، فالحادث على ارض الجزيرة ليس الصراع بين المدنية و المحميات الطبيعية و لكنها ساحة حرب بين الفقراء القاطنين منذ سنوات على هذه الجزيرة و بين استثمار عقاري لأغنياء سيفدون لهذه الأرض التي سيمحو تطويرها المعالم الزراعية الجميلة و الطبيعة البسيطة لهذا المكان .
و أخيراً .. فإننا نتسائل عن المنح الخارجية المقدمة لمصر من أجل الاستثمار الأخضر في الطاقة و المياه ، لماذا لا يتم استخدام جزء منها في إعادة ” جزيرة الوراق” لما كانت عليه كمحمية طبيعية مع إضافة وسائل خضراء لانتاج الطاقة لأهل الجزيرة و توظيف أهل الجزيرة في مشاريع خضراء تعود عليهم بالنفع و تعيد لهم الأمان الذي كانوا يعيشون فيه ؟