أسئلة كثيرة تدور حول تصريح أشرف سالم، عضو مجلس إدارة شركة سيد للأدوية التابعة لقطاع الأعمال العام، بان هناك مفاوضات مع العمال لإعادة العمل في الشركة بداية الأسبوع المقبل على أقصى تقدير.
على رأس هذه التساؤلات هو ” كيف تكون مفاوضات إعادة تشغيل المصنع مع الرافضين لتعليق العمل بالمصنع ؟ “.
الإجابة على هذا السؤال تتطلب قراءة متأنية لأزمة الوقود في العالم و ما ترتب عليها من إجرايات تقشفية غير مسبوقة في العديد من البلدان و منها مصر لتجنب سيناريو الأزمة المالية في تونس ، و ما تبع ذلك من قرارات عشوائية – غير مدروسة باحترافية – لقطاع الأعمال الذي أصدر لائحة موارد بشرية تنتقص بشدة من حقوق العمال لتوفير النفقات ، في الوقت الذي كان يمكن أن يصدر مشروع وطني متكامل يضع حداً أعلى للدخل – بإجماله – بحيث يمكن مراقبة الأسعار و التحكم بها تبعاً للمتوسط بين الحد الأعلى و الأدنى للأجور .
ترتب على تلك اللائحة التي أصدرها قطاع الأعمال العام رفض من قاعدة الهرم العمالي حين قام عمال مصنع سيد للأدوية بالإضراب في مقر الشركة الرئيسي بالهرم و ذلك اعتراضًا على تخفيض مكافأة الأرباح.
فقامت وزارة قطاع الأعمال بالرد على الإضراب بقرار أكثر عشوائية و هو تعليق العمل بالمصنع الذي يعول من خلاله 3000 عامل أسرهم ،و التي صارت بلا معيل بعد إغلاق المصنع.
و برغم أن الإضراب حق مشروع لا يصح معه دستورياً و قانونياً أن تُعاقب الدولة عليه عمالها ، إلا أن وزارة قطاع الأعمال العام بررت قرار الغلق بأنه مؤقت و بأنه جاء حفظاً لأصول الشركة!.
أتبع ذلك إعلان “النقابات الهندسية” لرفضها للمسودة الرابعة بلائحة الموارد البشرية بالأمس و الذي تلاه إعلان “النقابة العامة للكيماويات” عن رفضها أيضاً للمسودة الرابعة للائحة الموارد البشرية للعاملين والتي أعلن عنها وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق منذ أيام قليلة.
وقالت “النقابة العامة للكيماويات” إنها تنتقص من حقوق العمال، وتخالف المادة 42 من قانون قطاع الأعمال رقم 185 لسنة 2020، والتي تنص على أن كل شركة تضع لوائحها المنظمة حسب ظروفها ،مع اللجنة النقابية ،وأن كل مصنع أو قطاع له طبيعته الخاصة.
كما تخالف أيضا الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ أيام ،والتي تضمنت مواد تحث على مشاركة النقابات العمالية في في رسم السياسات العامة للدولة ،وهو ما ضربت به “لائحة وزير قطاع الأعمال “عرض الحائط”.
و بينما جاء مشروع الوزير ليفرض لائحة على الإدارة والعمال، و التي تخالف أيضاً المادة 15 من قانون النقابات العمالية الجديد، والذي يلزم بمشاركة النقابات في كل القرارات ذات الصلة بتنظيم العمل داخل الشركات، فقد تفردت الوزارة بإصدار القرارات كما لو أنها تابعة لقانون الطواريء الذي يكسر أمامه كل الاستحقاقات القانونية و الدستورية .
لم يتم تعليق مصنع سيد بسبب قلة الأرباح لأن عمال المصنع عملوا بشكل يزيد من نسب أرباح المصنع على مدار سنوات إلى حد تباهي إدارة الشركة بأرباحها و إنجاز عمالها في هذا العام و في الأعوام السابقة ، و لكن إغلاق المصنع جاء بسبب ” التعبير عن الرأي العمالي ” لعمال سيد للأدوية حين قالوا ” لا” في وجه لائحة الموارد البشرية حتى قبل أن ينضم لـ ” لا ” النقابات الهندسية و النقابة العامة للكيماويات و أعضاء من نواب مجلس الشعب .
الإجابة ببساطة على سؤال ” كيف تكون مفاوضات تشغيل المصنع مع العمال ” ، هو ببساطة لكون المفاوضات تتم مع السابقين إلى رفض لائحة الموارد البشرية ، و في كون الجهات السيادية المتسببة في غلق المصنع تعلم جيدأً بأنه خطأ سيسجل لها في التاريخ الحقوقي المصري كوزارة امتهنت حق عمالها في التعبير عن رفضهم بالانتقاص من حقوقهم من أجل التقشف الحكومي دون أن تضع في الاعتبار أن تأتي قراراتها التقشفية بالمشاورة مع النقابات العمالية و مع مراعاة الجانب الحقوقي و الإنساني للعمال لأن اقتصاد الدول لا يُبنى أبداُ بإغلاق المصانع و إرسال عمالها إلى المنازل أو تخييرهم – تحت التهديد – بين الإذعان للفشل الحكومي و العودة للعمل و بين أن يبقوا بلا عمل في منازلهم .
تتم المفاوضات مع العمال لأن العمال إذا قبلوا بالعودة للعمل ،سيكونوا بذلك قد وقعوا على الموافقة على إنهاء الإضراب و تمرير لائحة قطاع الأعمال عليهم ، و تمرير نسبة الأرباح التي اعترضوا عليها.
وقد تفجرت الأزمة، بسبب انخفاض قيمة أرباح العاملين في الشركة عن العام المالي الماضي، مقارنة بما كانوا يتقاضوه سابقًا، نتيجة تطبيق تعديلات قانون قطاع الأعمال العام الذي نشر في الجريدة الرسمية قبل أشهر.
و قد أوضح أشرف سالم ” عضو مجلس إدارة شركة سيد للأدوية ، أن التفاوض مع العمال لإعادة تشغيل الشركة، التي قررت الوزارة تجميد العمل بها، غدًا أو السبت المقبل.
وتغيرت طريقة الحساب الأرباح للعاملين في شركات قطاع الأعمال بعد تعديل قانون قطاع الأعمال العام الماضي، لتوزع بنسبة تتراوح بين 10 و12% كحد أقصى من أرباح الشركة على العاملين، بدلا من ألا يقل نصيب العاملين في الأرباح عن 10% ولا يجوز على ألا يزيد على مجموع الأجور السنوية الأساسية.
وستتأثر العملية الإنتاجية لشركة سيد نتيجة إغلاق الشركة، حيث يبلغ حجم الإنتاج اليومي نحو 3 ملايين جنيه، لكن عضو مجلس الإدارة قال إن هذا التراجع يمكن تعويضه حال العودة للعمل، سواء بزيادة الورديات أو زيادة الطاقة الإنتاجية!
و بالتالي يعوض العمال ” المتضررين من الإغلاق ” خسائر المستثمرين ملاك المصانع ، بدون أي زيادة لهم في هامش الربح من هذه الأرباح التي يصنعونها بكدهم ، بحيث يكون هذا التضارب في مصنع سيد للأدوية هو المثال الأعظم لعشوائية القرارات التي تتخذها الحكومة أثناء الأزمات و تأثيرها المجحف للعمال
و أخيراً .. متى ستدرك مصر بأن نجاح اقتصاد المجموعة أو الدول ، هو حاصل النجاح الاقتصادي لأفرادها أو لشعوبها ، و أن “الاستبعاد” هو الوجه الآخر من عملة “الاستعباد ” و أن عمال ” سيد ” الذين رفعوا راية الرفض كانوا أحق بالتكريم من المعاقبة و بأن المفاوضات بعد المؤامرات ليست عملاً نزيهاً في التاريخ العمالي .