قضت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بالأمس السبت، برفض دعوى الناشطة -في حقوق مجتمع الميم- ملك الكاشف، ضد وزير الداخلية – بصفته – ” اللواء محمود توفيق عبد الجواد قنديل” ، والتي حملت رقم 10399لسنة 74ق بتاريخ 5 ديسمبر 2019 ، و كانت تهدف إلى إنشاء أماكن احتجاز داخل أقسام الشرطة والسجون للأشخاص العابرين جنسيا في السجون.
“ملك الكاشف” هي أوّل فتاة عابرة جنسيًا تُحتجز في سجنٍ للرجال بسبب قضية سياسية في تاريخ مصر، و لم تكن هذه المرة الأولى التي تحتجز فيها “ملك”، بل كانت الثالثة بعد اعتقالات أخرى عامي ٢٠١٧ و٢٠١٨.
وقالت الكاشف، إنها تقدمت منذ عام ونصف بدعوى اختصمت فيها وزير الداخلية، و طالبت خلالها بتوفير أماكن احتجاز للعابرين والعابرات جنسيا، إلا أن دعواها قد تم رفضها من قبل المحكمة في جلسة أمس السبت.
ألقت السلطات المصرية القبض على الناشطة النسوية الكويرية، “ملك الكاشف” فجر يوم 6 مارس 2019، بعد مشاركتها في مظاهرات يوم الجمعة 1-3-2019 إحتجاجًا على الإهمال الذي تسبب في مقتل 24 مواطناً وإصابة 50 آخرين في حادثة إصطدام قطار بمحطة رمسيس.
كان عمر ملك حينها 19 عاماً ، تعرّضت حينها للإخفاء القسري لمدة ٢٤ ساعة ولم يتم الكشف عن موقعها وظروف احتجازها حتى أُحيلت لنيابة أمن الدولة في 7 آذار/ مارس 2019.
و بسبب عدم تطور القانون المصري للحد الذي يسمح للعابرين جنسياً بتغيير ( نوع الجنس ) على بطاقات الهوية فقد اعتبرت مصر لدى الجهات الأمنية ذكراً و ليس أنثى ، و خضعت بالإجبار لفحص الشرج القسري – الذي يمارس ضد الذكور في السجون المصرية – وتعرضت بذلك للتحرش الجنسي، ومُنعت طوال مدة اعتقالها من التريض ،ووضعت في زنزانة انفرادية، وعندما كانوا يسمحون لها بالخروج لدقائق خارج الزنزانة كانوا يغطون وجهها، ويضعون كافة السجناء الآخرين في زنازينهم، ووضعوا على باب زنزاتها ورقة تعريفية خاصة بها مكتوب عليها (عبد الرحمن متحول جنسيًا)، و ظلت على هذه الحال 4 أشهر منذ مارس 2019 وحتى يوليو 2019.
أخلي سبيل “ملك” في شهر يوليو ٢٠١٩، وقد دفعتها ظروف الاحتجاز غير الانسانية، التي تعرّضت لها لإقامة دعوى قضائية ضد وزير الداخلية تطالب فيها بتخصيص أماكن احتجاز آمنة و مخصَّصة للعابرين جنسيًا لأنَّ رحلة العبور طويلة وتمتد لسنوات، وخلال هذا الوقت حيث ينتظر العابرون فرصة تغيير أوراقهم الثبوتية، فهم معرّضون للاعتقال.
تقول ملك : “لا ينبغى على السلطات المصرية سجننا في أماكن احتجاز مغايرة لهويتنا الجندرية، لأنَّ هذا يعرّضنا لمخاطر كالتحرش والاعتداء الجنسي، بالإضافة لأنَّه يؤثر سلباً على حالتنا النفسية وأنا حتى الآن لا أستطيع تجاوز هذه التجربة أو حتى التعافي منها”.
وقد كتبت ملك على صفحتها الفيسبوك بالأمس بعدما بلغت 21 عاماً : “من سنة و نص تقريبا رفعت قضية ضد وزير الداخلية بطالبه فيها بأماكن احتجاز آمنة للعابرين/ات جنسياً اللي بيتقبض عليهم بدل ما يتعرضوا لاعتداءات جنسية أو جسدية داخل حجز الرجالة و بدل ما يعانوا من عقوبة مضاعفه جوه الحبس الإنفرادي.
النهاردة القضية اترفضت نهائيا و مش هيكون في أماكن احتجاز آمنة للعابرين/ات جنسيا”.
وكانت محكمة القضاء الإداري في 29 يوليو 2020 قد رفضت الطعن المقدم من الكاشف، فيما أودعت ملك الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا الذي حمل رقم 55538 لسنة 66 ق، على حكم رفض الدعوى، وجاء رفض المحكمة للدعوى المقامة من ملك الكاشف بسبب “زوال المصلحة”.
و على ذكر ” زوال المصلحة ” فإن الكثير من دول العالم قد خصصت أماكن أكثر خصوصية و أمان ، و ساحات ركن السيارات و في الملاعب و حتى دورات المياه لحماية لمجتمع الميم كافة ، حيث أنهم يوكلون الأمور إلى أهلها ، و يدركون أن من يفصل في قضية العبور الجنسي هم ” الأطباء ” وحدهم و بالتالي في حالة تأكد الأطباء من ضرورة البدء بالعبور الجنسي لشخص ما فإن على الدولة أن تحمي ذلك الشخص أثناء و بعد عبوره الجنسي .
أما في مصر ، فبالرغم من قبول الدولة المصرية لمبدأ عمليات تغيير الجنس إلا أن ذلك لا يعني أنها تعترف بفكرة “العبور الجنسي” فالحكومة المصرية ترفض استخدام مصطلح “عبور/النوع/الجنس” وتستخدم رسميا مصطلح “تصحيح الجنس”. حسب المادة 43 من لائحة آداب المهنة لنقابة الأطباء الجديدة لعام 2003 والمعدلة للائحة آداب المهنة لعام 1974 و التي تنص صراحة على أنه ” يحظر على الأطباء القيام بعمليات تغيير الجنس أما بالنسبة لعمليات تصحيح الجنس فيشترط الحصول على موافقة اللجنة النقابية المختصة بعد إجراء التحليلات الهرمونية وفحص الخريطة الكروموزومية”.
ويعني مصطلح تصحيح الجنس وجود مشكلة أو اضطراب بيولوجي يستلزم التدخل الطبي لـ” تصحيح الجنس”. ووفقا لهذا النص فاللجنة معنية بفحص طلبات الحالات التي تعاني من اضطراب بيولوجي مادي مثل حالات ال intersex / الجنس البيني[4]، أو الحالات التي تعاني اضطرابا في الهرمونات والخريطة الكروموزومية. أي هناك ربط شرطي بين وجود إضطراب أو خلل مادي أو بيولوجي بالإضافة للتقارير النفسية للسماح بإجراء عمليات تغيير الجنس. بينما حالات العابرين/ات الذين يعانون من “إضطراب الهوية الجنسية” بشكل نفسي فقط غير مخاطبين بنص تلك المادة بالرغم من حصول بعضهم على شهادات طبية من مستشفى الحسين الجامعي التابع لجامعة الأزهر تثبت أنهم يعانون بالفعل من “إضطراب الهوية الجنسية” وتوصي بإجراء العمليات الجراحية لهم/ن.
نظرًا لعدم وجود قانون ينظم عمليات تغيير الجنس، تم النص لأول مرة في 2003 على تشكيل لجنة مختصة بنقابة الأطباء تكون مهمتها الإشراف على طلبات تصحيح الجنس والبت فيها، وذلك في قرار وزير الصحة بإصدار لائحة جديدة لآداب المهنة[5]. وتتكون اللجنة التابعة لنقابة الأطباء من 7 أعضاء وهم، أستاذين في علم النفس، وأستاذ أمراض ذكورة، وأستاذ علم وراثة وغدد صماء، وعضو من نقابة الأطباء، وعضو من دار الإفتاء المصرية، ورئيس اللجنة.
عمل اللجنة واجه العديد من المعوقات التي أدت إلى إيقافه لسببين رئيسين:
- فمن ناحية يبدو تشكيل اللجنة إشكالي للغاية بوجود عضو من دار الإفتاء المصرية حيث يمكننا تصور حضور مندوب دار الإفتاء لنقاش طبي محتدم حول أحد حالات العابرين/ات المطلوب دراستها بين أطباء علم النفس وأطباء أمراض الذكورة والوراثة والغدد الصماء ليبدي الرأي الفقهي فيه. وفي ذات الوقت لم يشرح القرار الوزاري ما سبب وجود ممثل لدار الإفتاء من حيث المبدأ؟ كما لم يوضح هل رأي ممثل دار الإفتاء إستشاري أم إلزامي؟ وهل في حالة رفض دار الإفتاء الموافقة على أحد الطلبات المقدمة للجنة فهل هناك سبيل لاستئناف هذا القرار أو الطعن عليه أم لا؟.ومن الملاحظ أن انسحاب ممثل دار الإفتاء الدكتور محمد خضر من حضور إجتماعات اللجنة في نوفمبر عام 2014 قد أدى لتوقف عمل اللجنة لأكثر من عام ونصف بعد “اعتراضه على إصدار تصاريح لإجراء عمليات تحول جنسي دون الرجوع إليه”!
- ومن ناحية أخرى فاللجنة لم تشكل بناءً على قانون ينظم ضوابط وإجراءات تغيير الجنس بل تم تشكيلها وفقا لقرار وزاري من وزير الصحة والإسكان، كما أشرنا، وبالتالي فوجود اللجنة نفسه مهدد بالإيقاف أو بتعديل تشكيلها أوبنقل تبعيتها لأي جهة أخرى في أي وقت في حالة تغيير سياسات وزارة الصحة أو تغيير الوزراء أنفسهم/ن وهو ما قد يعطل مصير مئات الطلبات المقدمة أمامها. وبالرغم من تبعية تلك اللجنة لنقابة الأطباء الآن إلا أن إستقرار الجهة التي تتبعها اللجنة والتي تملك إعادة تشكيلها مهدد بالتغيير والإضطرابات الإدارية. فعلى سبيل المثال، صرح أحد المصادر المسؤولة بوزارة الصحة والسكان في 2016 بـ”إن لجنتى آداب المهنة وتحديد الجنس تم تشكيلها أساسا بقرارات وزارية أصدرها وزراء الصحة السابقون ومن حق الوزير الحالى نقل تبعيتها إلى الوزارة، بعيدا عن النقابة“.
و حسب الدكتور عبد الهادى زارع رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فإنه ” لا يجوز إجراء العملية الجراحية التى تسمى: تحويل الجنس أو تغييره أو تصحيحه إلا فى حالة الخنثى الذى اجتمعت فيه أعضاء جسدية تخص الذكور والإناث (كآلة التناسل مثلا)، كما يتضح أنه لا يجوز شرعا الاعتماد فى تحديد هوية (الخنثى المشكل) الجنسية على سلوكه وميوله إلا فى حالتين: الأولى: عند العجز عن التحديد بناء على العلامات المادية المذكورة، والثانية: إذا لم يكن له ذكر رجل ولا فرج أنثى” .
بينما في منظمة الصحة العالمية التي تضم آلاف الأطباء من كل أنحاء العالم فإنه الأطباء يعتمدون رحلة العبور الجنسي بمجرد التأكد من شعور الإنسان بكونه ( ذكر ) / ( أنثى) بغض النظر عن أعضائه الجنسية المادية أو تحليل الكروموزمات ، لأنه لا يمكن لأي إنسان أن يخوض تلك الصعوبات كلها من أجل التسلية أو لفت الانتباه و لأنه لا يوجد أي علاج نفسي يمكن أن يقنع إنسان بهوية جنسية أخرى غير تلك التي يشعر بها في داخله.
و لذلك فإنه في مصر و بعد كل هذا المشوار المرهق للعابرين/ات جنسياً في مصر ، و بعد مواجهتهم لرفض أسرهم و للمجتمع و اضطرارهم أحياناً للاختفاء أو تغيير محل الإقامة لأكثر من مرة ، و تحمل الإرهاق المادي بسبب عدم قدراتهم أحياناً على العمل ، فإنه و بعد “ تمام العبور الجنسي ” قد يجدون عدم قبول من مكتب السجل المدني لطلب تغيير الأوراق بسبب “تأكيد تحليل الكروموزمات لجنسهم/ن البيولوجي” ، ودون وجود أمل بإلزامه بذلك عن طريق القضاء ، حيث أنهم لم يعودوا الأشخاص المثبتة في أوراقهم الرسمية ولم يحصلوا بعد على أوراق شخصية لهوياتهم/ن الجديدة .
القضية التي رفضتها المحكمة لملك الكاشف تكشف هذا الغيض من فيض الظلم المجتمعي على أساس النوع الاجتماعي في المجتمع المصري ، حيث نتسائل في ظل تغليب دول عديدة من العالم للعقل و العلم على الجهل و الخرافات عن إمكانية قيام نقابة الأطباء في فتح هذا الملف مجدداً بدعم حقوقي في مصر؟ و هل من المفترض ان يحكم أهل ” و أولى الأمر منكم ” الأمور الطبية إلى رجال الدين أم إلى منظمة الصحة العالمية؟