شيّع المئات من أهالي قرية كفر الكردي في محافظة الدقهلية، الأربعاء، جثمان وداد زكريا محرز «25 سنة» والتي أحرقها شقيقها قبل شهرين من زواجها بسبب الخلاف على الميراث.
وأكدت المجني عليها بصعوبة في الكلام – قبل وفاتها- «أن شقيقها أحضر جركن بنزين وألقى جزءا كبيرا من محتوياته في الشقة وأشعل النيران فيها وعندما حاولت الهرب إلى السلم قام بسكب البنزين عليها وأشعل فيها النيران بولاعة كانت بحوزته وهى تحاول الهروب، وأغلق بوابة المنزل الرئيسية بالمفتاح لمنع دخول أحد لإنقاذها، وتبلغ لقسم شرطة الكردى بوفاة الفتاة بعد يومين من الحادث متأثرة بحروقها.
وقال محمود الدسوقى الحداد من أهالى الكردى وأحد شهود العيان : إن هناك خلافات منذ 5 سنوات بين الأم وابنتها المجنى عليها من جهة وابنها الوحيد من جهة أخرى وذلك بعد وفاة الأب، وصلت للمحاكم بسبب تقسم البيت وقيام الأب بكتابة شقة للبنت في المنزل خارج الميراث وأن زوجة المجنى عليه كانت تحرضه على أمه وأخته، وأمه رفعت عليهم قضية طرد من الشقة وأنه سبق أن توعدهم بالحرق قبل ذلك وتدخل الجيران وأهل الخير لحل مشاكلهم».
و لم تكن هذه الحادثة البشعة هي الأولى من نوعها لرجال يعاقبن النساء بسبب رغبتهم في الاستحواذ عليه بالكامل رغم التشريع القانوني الذي يقضي بمضاعفة حصة الذكور عن الإناث ، مما يثير العديد من التساؤلات حول أسباب عدم وجود هذه الحوادث البشعة في دول أخرى من العالم تساوي بين حصة الذكر و الأنثى في الميراث باعتبار أن كل منهم مساو للآخر في الحقوق و الواجبات.
و ربما أن هذا تحديداً هو بيت القصيد ، حيث أن تفضيل الذكور في الحقوق يبرمج عقولهم على أن النساء أقل قيمة و يزرع فيهم الأنانية التي قد تتملك بعضهم إلى حد الرغبة في الاستحواذ على المال بالكامل دون نساء أسرته و هو ما يزيد من معدل الجرائم تجاه النساء في القضابا الخلافية على الميراث .
و كانت أبرز الجرائم التي أثارت الجدل والرأي العام في المجتمع المصري خلال الفترة الأخيرة قبل حادثة ” وداد” ، حينما خطط شابان بمحافظة الدقهلية، لاختطاف شقيقتهما التي تعمل دكتورة جامعية، واستدراجها وتصويرها في وضع مخل بالإجبار برفقة صديقهما؛ لتهديدها بفضحها بتلك الصور، حال مطالبتها بالحصول على ميراثها، بعد خلاف بين الأشقاء الثلاثة بسبب الميراث، قبل يتمكن الأهالي من إنقاذهابعد سماع صرخات استغاثتها.
وفي مدينة المنصورة أيضا، أقدم رجل مسن على إضرام النيران في زوج شقيقته بعدما سكب عليه البنزين ثم حبسه في منزله ليموت، وتبينّ أنّ شقيق زوجته تخلص منه بسبب وجود خلافات بينهما حول الميراث.
و رغم أن المقصود الشرعي من مضاعفة حصة الذكر عن الأنثى هو أن الذكر سيتكفل مادياً بهذه الأنثى إلا أن هذا لا يحدث غالباً على أرض الواقع ،فالكثير من العائلات المصرية خاصة في صعيد مصر تستخدم أيضاً ما يطلق عليه بالعرف “الرضوى”، هو عبارة عن ترضية الأنثى بمبلغ مادي عوضاً عن الميراث رغم أنها تكون غالباً شريكة الرجل في كل الأعمال داخل و خارج المنزل ، كما قد جرى العرف على عدم توريث النساء للأراضي حيث يقولون بالمثل الشعبي ” البنت متورثش في الطين” و قد جرت العادة على معاقبة السيدات اللاتي يكسرن هذا العرف و يحاولن الحصول على حقهن في الميراث كما شرعه القانون تحت تبرير غريب بأن ذلك خوفاً من استيلاء زوجها وأبنائها على الميراث، وبالتالي ينتقل الميراث إلى أشخاص أغراب عن العائلة وأن الفتاة لا يحق لها أي ميراث بعدما قام والدها بتعليمها وتجهيزها بكل شيء أثناء الزواج.
يمكن القول أنه من الصعب جداً تغيير العرف مالم يتواجد قانون قوي يتم نشر أسبابه كما حدث مع قوانين تجريم “الختان” التي توازت مع حملات دعائية و توعوية داخل المدن و القرى للحد من الظاهرة.
و بمقارنة القوانين المصرية مع غيرها يمكن الانتباه إلى ارتباط القانون ببعض الأعراف كالآتي:
ففي الوقت الذي منحت فيه العديد من الدول حق الانتساب إلى عائلة الأم دون الأب في بطاقات الهوية ، حرم القانون المصري انتساب الأشخاص لغير الذكور مما يرسخ من الفكرة التقليدية التي تقضي بأن أبناء الإناث هم ( أغراب) لأن أسمائهم لا تحمل لقب العائلة ، و يؤثر ذلك في حرمانهم من الميراث.
وبحسب القانون المصري “يجوز الصلح فى أية حالة كانت عليها الدعوى، وبعد صيرورة الحكم باتا، ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية، ولو كانت مرفوعة بطريق الإدعاء المباشر، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا حصل الصلح أثناء تنفيذها، ولا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة”.
و قد تم اتخاذ هذا البند في القانون بالمشاركة مع هيئة كبار علماء الأزهر لحفظ صلة الرحم دون الانتباه إلى أن ذلك يفتح الباب لإصرار الذكور على نهب ميراث الإناث و الاستمرار في الضغط و التهديد حتى بعد رفعهن لدعاوى قضائية لاستراداد حقوقهن لأنه يمكن للذكور بعد الحكم القضائي أن يتصالحوا دون محاسبة للجناة .
فيما أنه لا يوجد هذا البند في قوانين كبرى الدول في حقوق الإنسان التي تعي بأن نهب الميراث لا يختلف عن السرقة و لا يمكن التصالح بعد أن يقضي القاضي على سارق للميراث.
إن تعليم الذكور منذ طفولتهم بأنهم متساوون مع الإناث في الحقوق و الواجبات و بأنه لا ينبغي لرجل أن يهين أو يؤذي امرأة ، و أن الفتاة سترث مثله تماماً يجعله أكثر تقديراً للمرأة من التعليم الديني الذي لازال جارياً في المدارس المصرية و التي تدرس تفضيل الذكور على الإناث في القوامة و الإرث و الجندية ( الجهاد) و أحقية تعدد الشركاء و حق الطلاق و الرجعة و الولاية على المرأة.
فإذا كانت ” وداد زكريا” تهز فعلياً ضمائر الشعب المصري فعلى من يمثلون الشعب من النواب أن يناقشوا مجدداً قوانين المرأة بدءاً من التعليم و النسب و من ثم حصتها في الميراث كي لا يكون ميثاق حقوق النساء الدولي” سيداو” مجرد حبر على ورق رغم تأكيد الحكومة المصرية بأنه جزء لا يتجزأ من القانون.