قامت إدارة شركة القاهرة للزيوت والصابون بإغلاق مصنعها بمنطقة غمرة بشكل فعلي بعد العديد من تحذيرات العمال .
حيث أبلغت الشركة عمال المصنع البالغ عددهم 190 عاملاً، أن الإدارة بصدد تخفيض العمالة ليصل العدد إلى 70 عاملا سيتم نقلهم إلى فرع العياط ، ثم قامت بإغلاق رسمي للمصنع و إرسال مكاتبات لشركات الخدمات لإعلامهم بوقف نشاط المصنع و طلب إجراء المعاينة.
لم تكن المرة الأولى التي تغلق فيها إدارة شركة القاهرة للزيوت والصابون أحد مصانعها حيث أغلقت من قبل فرع القناطر ثم البدرشين انتهاءاً بمصنع غمرة.
البداية كانت منذ الخصخصة في عهد الرئيس المخلوع مبارك
شركة القاهرة للزيوت والصابون هي إحدى الشركات المصرية، تأسست في العام 1963 كشركة مملوكة للدولة. ومصنعة لزيت الطعام والسمن والصابون والعلف الحيواني، في العام 2001 تم خصخصة الشركة وإدراجها في البورصة. وبعد ذلك في يوليو 2005 تم طرح أسهم الشركة للبيع. اشترتها شركة كونسوقرة واستحوذت على 88% من إجمالي الحصص ثم قامت كونسوقرة بتخفيض حصتها إلى 80%. وبناء عليه أصبح أيمن قرة العضو المنتدب ورئيس مجلس الإدارة.
وكانت عملية البيع قد تمت بمبلغ 56 مليون جنيه يسدد ثمنها على 4 أقساط، بسعر 16 جنيه للسهم. في حين قدرت لجنة فيما بعد أن سعر السهم حوالي 76 جنيه. أي هناك فارق في سعر بيع السهم 60 جنيه. الأمر الذي دفع عمال الشركة للطعن على عقد البيع في العام 2006 لشبهة فساد في العقود، وحتى الآن لم يصدر حكم بشأنها.
وعلى مدار تلك الفترة تخلصت الإدارة من حوالي 1000 عامل، حيث كان يضم المصنع الواحد حوالي 350 عامل. أما الآن لم يتبقى سوى أقل من 300 عامل في مصنع العياط و مصنع غمرة – الذي سيتم تخفيض العدد فيه من 190 إلى 70 عامل فقط-كما صرحت الشركة ليتبقى من عمال الشركة 230 عامل فقط لا غير!
التصفية .. هي خسارة صناعة وربح المستثمر للمال
فكرة التصفية لم تكن لأسباب اضطرارية أو بعد محاولات عديدة لتخطى صعوبات التشغيل والإدارة أو الأزمات المالية (بالرغم من طرح تلك الأسباب من قبل الإدارة). ولكن الأمر بدأ منذ العام 2007 أي بعد ثلاث سنوات فقط من خصخصتها لم يكن مر وقت حتى لكي تبدأ بوادر تعثر أزمات مالية.
و بدأت خطة التصفية بعد الانتهاء من مخزون الصهاريج (أماكن تخزين المواد الخام). حيث كانت تضم الشركة حوالي 10 صهاريج بسعة 6 آلاف طن مواد خام عند إتمام عملية البيع، والذي يكفي للتشغيل لمدة عام كامل.
البداية .. مصنع القناطر
حينما انتهى مخزون المواد الخام، كان الهدف المعلن هو بيع فرع القناطر لعمل تطوير في باقي الفروع بحجة التعثر المالي.
وبالفعل قامت الإدارة بنقل أجزاء من خطوط إنتاج فرع القناطر لفرع العياط، وتم افتتاح الفرع الجديد لإنتاج السمن، والذي تم غلقه وتوقفه عن العمل بعدها بشهرين فقط، وقام رئيس مجلس الإدارة بعقد اتفاق مع شركة أرما لإنتاج بعض سلع للقاهرة للزيوت والصابون كإنتاج لحساب الغير.
مصنع البدرشين
كان إغلاق مصنع القناطر هو أول مؤشر للعمال على سوء نية المستثمر وأن الهدف ليس التطوير بقدر التخلص من الفروع واحدا تلو الآخر وتصفية العمال.
أما الأموال السائلة التي حصل عليها رئيس مجلس الإدارة نتيجة عميلة البيع كانت بنية سداد ديون الشركة وهي عبارة عن قروض وسلف من البنوك لم يقوم بتسديدها، هذا بخلاف قطعة أرض تم نزع ملكيتها من قبل الحكومة لأنها كانت استراحة الرئيس الراحل أنور السادات. ومقابل ذلك حصل رئيس مجلس الإدارة على 16 مليون جنيه تعويض.
وجاء الدور على فرع البدرشين حيث تم تقسيمة إلى قطعتين، أرض فضاء أقامت الإدارة سورا حولها وبيعت بمبلغ 50 مليون جنيه. وبيع المصنع بحوالي 103 مليون جنيه في العام 2016.
وقالت الشركة في بيان لها أن الهدف وراء إيقاف المصنع يرجع لعدم جدواها اقتصادياً، وتشغيله بطاقة منخفضة للغاية، موضحة أنه تم الاتفاق على عمل تسوية مالية للعاملين الراغبين بالخروج على معاش مبكر اختياري وعددهم 72 عاملًا، مع استمرار عمل 46 آخرين من خلال نقلهم لمصانع الشركة الأخرى.
دعوى في القضاء الإداري المطالبة بإلغاء بيع شركة القاهرة للزيوت والصابون
قرر العمال إقامة دعوى قضائية لوقف بيع شركة القاهرة للزيوت والصابون و لتقديم رئيس الشركة للمحاكمة، إلا أن محكمة القضاء الإدارى قد قضت في 2014 بوقف نظر الدعوى التي تم اتهام رئيس الشركة فيها بتخريبها ، وإهدار ملايين الجنيهات، لحين الفصل فى مدى دستورية قانون تحصين عقود الدولة والصادر فى عهد الرئيس السابق عدلى منصور.
وأشارت الدعوى أيضاً إلى تقارير رسمية صادرة عن الجهاز المركزى للمحاسبات واجتماع اتحاد المساهمين والجمعية العمومية، رصدت إهدار 3 ملايين جنيه فى صفقة واحدة عن طريق تعاقدات مصرفية مع أحد رجال الأعمال.
وقف نشاط مصنع غمرة
لم ينتهي الأمر إلى هذا الحد و لكن جاء الدور على مصنع غمرة ، و بدأ الحديث عن تصفيتة منذ العام 2012، حيث قامت إدارة شركة القاهرة للزيوت و الصابون وعلى مدار 10 سنوات بتوقيف العمل به، ماعدا قسم واحد هو تقطير الزيت، وأصبح 90% من المصنع متوقفاً عن الإنتاج.
مما اضطر عمال مصنع غمرة لعمل وقفات وقفات احتجاجية متقطعة لرفض إيقاف نشاط المصنع ، و كان لافتاً للانتباه أن الشركة طلبت من عمالها بعد إحدى هذه الوقفات في عام 2017 بجمع بياناتهم الشخصية لتسليمها للأمن الوطني عقب الاحتجاجات التي نظموها للمطالبة بإيقاف بيع المصنع على غرار مصنع البدرشين – الذي تم بيعه في أكتوبر 2016 لشركة الصفا انترناشيونال- و للمطالبة بببدل غلاء المعيشة، و فوجئوا بعد 10 أيام بتحرير محاضر ضدهم تتهمهم قطع الطريق و تعطيل العمل.
عقود عمل مشوهة وحقوق ضائعة
في سبتمبر الماضي ، بدأ حراك داخل الشركة بعد أن ورد إلى علم عمال شركة القاهرة للزيوت و الصابون ، بوجود خطوات لتنفيذ غلق فرع غمرة ونقل من يرغب إلى فرع العياط. أو التفاوض على تعويضات هزيله للعاملين بعقود دائمة وتقديم الاستقالات لمن لايرغب في النقل.
يقول أحد العاملين بالشركة، إن الإدارة لديها نية لتقليل العمالة من 190 إلى 70 عاملا وتخفيض موظفي الإدارة البالغ عددهم 60 موظفا. وما يتم طرحه على العمال هو تعويض 2000 جنيه عن السنة، أي من ظل يعمل لمدة 10 سنوات يحصل على تعويض 20 ألف جنيه فقط.
واعتبر العامل، الذي رفذ ذكر اسمه، مبلغ التعويض هزيلا جدا ولا يساعد أي عامل على تنفيذ مشروع جديد ليعول أسرته. خاصة أن العمال ليسوا في سن صغير، ولن يجدوا فرصة بسهولة في أي شركة أخرى وسيكون مصيرهم “الشارع” على حد تعبيره.
ويتابع: “هذا بخلاف العمالة المؤقتة التي كانت تعمل بنظام عقود شهرية وعقود ثلاثة شهور تسمى (عقود تأمينية). فهؤلاء يتم إنهاء عقودهم حاليا دون دفع تعويضات بالرغم من استمرار عملهم بالشركة لمدة سنوات متواصلة”.
الأمر الذي دفع عشرات منهم لتحرير محاضر في قسم الشرابية. ومحاضر بمكتب العمل التابعين له. بعد إرسال الإدارة لهم إنذارات بأن آخر يوم عمل هو 3 أكتوبر المقبل.
و أنه في اجتماع الأول من سبتمبر كشف العضو المنتدب عن حقيقة نية الإدارة، حيث أعلن عن أن الحل الوحيد هو إتباع مجموعة من الخطوات أعدها مجلس إدارة الشركة، وطلب من أعضاء اللجنة النقابية أن يقوموا بإقناع العمال بها ، وكانت على النحو التالي:
1- عدم التمديد للعقود المؤقتة (التي تتعدى في أغلبها عشر سنوات)، والبالغ عددهم “76” مؤقت، كذلك عقود المستشارين من أصحاب المعاشات وهم “22” مستشار، مع عدم حصول أياً منهم على تعويضات أياً كانت سنوات عمله.
2- تخفيض عدد العمالة الدائمة من “153” إلى 70 عامل، عبر تعويضات (مناسبة).
3- العمل على ترشيد العلاج والمستشفيات.
4- حصول أصحاب الأعمار “57 و 58 و 59” على أجازة مفتوحة، لا يحصلون فيها سوى على الأساسي فقط، بإلغاء الحوافز وبدل الإنتقال والمكافآت وخلافه (٥٤ عامل).
5- ترشيد إستخدام الطاقة والغاز والمياه.
وقد وصف العمال الوضع بأنه جريمة تصفية متكاملة الأركان لافتين أنه كان المطلوب توقيع أعضاء مجلس إدارة المنظمة النقابية بالموافقة، وهو الأمر الذي تم رفضه من قبل جميعهم، مؤكدين على أن هناك إمكانية لاستمرار عمل المصنع، وكل ما يحتاجه الأمر هو توافر النية لدى الإدارة.
و بات من الواضح تماما أمام العمال أن الإدارة ستقوم بتصفية جميع الفروع بما فيها العياط، وأن المسألة مسألة وقت فقط. وليس لديهم أي تفسير بعدم قيام المسؤولين في وزارة القوى العاملة أو وزارة الاستثمار. باتخاذ خطوات تجاه هذه القرارات المنفردة من المستثمرين، والتي ينتج عنها تصفية صناعة مهمة. هذا بخلاف إهدار العمالة المدربة صاحبة الخبرة. مطالبين بمنح المصانع جزء من خطة التطوير التي يتبناها رئيس الجمهورية.
خسائر بالجملة
و بالرغم من وعود رئيس مجلس الإدارة “أيمن قرة” بتنفيذه لخطة المستشار المالى المستقل « فينكورب » لإعادة هيكلة “القاهرة للزيوت والصابون” منذ عام 2014 إلا أن الشركة استمرت بالخسائر المتوالية حيث حققت عن النصف الأول من العام الجاري، صافي خسارة بلغ 34.75 مليون جنيه منذ بداية يناير حتى نهاية يونيو الماضي، مقابل 36.09 مليون جنيه خسائر خلال نفس الفترة من العام الماضي
وتراجع صافي إيراد نشاط الشركة خلال الستة أشهر الأولى من 2021 لتسجل 26.01 مليون جنيه بنهاية يونيو، مقابل 26.16 مليون جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي.
مطالب عمالية
قام العمال بجمع توقيعات كمحاولة يائسة و أخيرة لمنع تصفية ما تبقى من شركة القاهرة للزيوت و الصابون ، و تم إرسال بعض النسخ منها إلى ” جهود “، الذين لم يعودوا متأكدين من الجاني الحقيقي ضدهم ، حيث أنهم ما بين الخصخصة إلى بيع فروع الشركة و تصفيتها يوجد نظام سياسي لم يمنع أي من الانتهاكات ضدهم و لم يعيد تأميم الشركة و لم يمنع ملاحقتهم قضائياً بسبب احتجاجهم على غلق مصدر أرزاقهم و لم يروج لقضيتهم أو يناقشها بعين العدل لحقوق هؤلاء العمال.
و نحن نتسائل في ” جهود” عن قيمة الضجة التي توازت مع قانون العمل الجديد الذي يناقش حالياً في مجلس الشعب ، إذا كان ظاهراً للعيان بوجود انتهاكات متوالية بحق مجموعة كبيرة من العمال دون أن تلتفت لهم النقابات و الإعلام و الجهات السيادية المختصة.