في ظل الإزالة المستمرة لمنازل الفقراء في مصر بدعوى أنها منازل – مخالفة- تمثل تعدياً على الأراضي الزراعية ، و في ظل تنامي اهتمام الحكومة المصرية ببناء مدن جديدة على طراز راقي يجعل من هذه المدن ذات تكلفة عالية لا يستطيع تحملها سوى الأثرياء ، تزيد التخوفات يوماً بعد يوم من تزايد أعداد المشردين و خصوصاً بعد التضييق الحكومي على المجتمع التكافلي و منع التبرعات داخل المساجد.
و قد ذكرت مصادر حكومية بأن مصر تتبنى مخططا استراتيجيا لمواكبة الزيادة السكانية، و ذلك من خلال بناءها للمدن الجديدة ، حيث أنه قد يصل عدد سكان مصر إلى ما يزيد عن 190 مليون نسمة في 2052، طبقا للتقديرات الرسمية للسكان الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
و أكد نائب وزير الإسكان للمشروعات القومية، خالد عباس، خلال مداخلة له ضمن فاعليات مؤتمر “التطوير العقاري” المنعقد بالقاهرة، عن أن المخطط يتضمن إنشاء 45 مدينة جديدة لاستيعاب تلك الزيادة السكانية ، موضحا أن التحدي هو “أين يعيش هؤلاء السكان” لا سيما أن المدن الجديدة التي تم إنشاؤها في وقت سابق قد بلغت طاقتها القصوى، بينما هرمت المدن القديمة، وبالتالي كان من الضرورة بمكان استحداث مدن جديدة.
وتعليقا على تحرك الدولة المصرية في هذا المجال، علّق رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، خالد الشافعي، قائلا: “الدولة المصرية في ظل خطة الإصلاح الاقتصادي، واجهتها في البداية عدة تحديات، من بينها المشاكل الاقتصادية المرتبطة بالدعم وكيفية توجيهه لمستحقيه، إضافة إلى تحديات أخرى من بينها تمركز المصريين على رقعة تمثل 6 في المئة من المساحة الكلية لمصر فقط”.
إلا أنه قد تسبب تدخل الحكومة في ملف مخالفات البناء في توقف سوق العقارات، فيما هرب عدد كبير من المقاولين وصغار المطورين العقاريين بعد مواجهة غرامات ضخمة وعقوبات تصل في بعض الحالات إلى السجن.
وضاعفت هذه التحركات من الأزمات التي يواجهها القطاع في الوقت الحالي، خاصة وأن ارتفاع أسعار جميع مواد البناء أضافت الكثير من الأعباء على شركات التطوير العقاري، وتوقف بعضها عن العمل لحين تعديل العقود مع العملاء والمشترين مما ولد اتجاها قويا داخل الحكومة المصرية لإدخال بعض التعديلات على الاشتراطات الخاصة بالبناء، حيث كان من المقرر أن تناقش لجنتا الإدارة المحلية والإسكان بمجلس النواب المصري، الاشتراطات الجديدة التي أعلنتها الحكومة خلال الفترة الماضية.
و أرجعت المصادر هذا التحرك الحكومي المرتقب، إلى حرص الحكومة على إنقاذ القطاع من الركود وتقليص خسائر المستثمرين في سوق العقارات، في ظل عدم إمكانية خفض أسعار الفائدة بسبب ارتفاع معدلات التضخم لأسباب خارجية. كما تعاني السوق من ارتفاع أسعار جميع مواد البناء، خاصة الحديد والأسمنت، حيث ارتفعت أسعارها بشكل غير مبرر.
وحتى نهاية الربع الأول من العام الحالي، بلغ عدد طلبات التصالح في مخالفات البناء أكثر من 2.7 مليون طلب، فيما بلغت حصيلة هذه المخالفات نحو 17.7 مليار جنيه، وفق بيانات وزارة التنمية المحلية في مصر.
كانت لجنة الإسكان بمجلس النواب، قد طالبت الحكومة بإعادة النظر في اشتراطات البناء التي وضعتها في المراكز والمدن لتتناسب مع متطلبات المواطنين، بعد عزوفهم عن استخراج تراخيص البناء، مشيرة إلى أن الاشتراطات في الأساس كانت تهدف إلى تقليل الضغط على المواطن في مشكلاته مع الأحياء.
وذكرت أنه يجب إعادة النظر في ارتفاعات المباني لأنها تسببت في خسائر فادحة لبعض المواطنين الذين اشتروا قطع أراض بشكل قانوني لبناء عدد معين من الأدوار وفقًا للقانون، وأنه تم تقييد الأدوار إلى أرضي و4 طوابق فقط، ما يتسبب في خسائر كبيرة لهم.
وردت وزارة الإسكان بأنها تدرس 3 سيناريوهات، الأول تخصيص تعويض مادى لهؤلاء المواطنين غير المخالفين، أو منحهم قطع أراض بمساحات أكبر في المناطق العمرانية الجديدة، أو منحهم شققا بديلة بنفس ثمن الأرض، لافتا إلى أنه حتى الآن لم تتحدث الحكومة عن آليات تنفيذ تلك السيناريوهات.
الجدير بالذكر بأن قيمة الثروة العقارية في مصر تتراوح بين 150 و200 تريليون جنيه، وفق ما كشفه وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب المصري ورئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصري، طارق شكري، في تصريحات سابقة مما يدفعنا للتساؤل حول مصير هذه الثروة في ظل اهتمام متزايد بالتطوير العقاري بالمدن الجديدة في مقابل إزالة آلاف المنازل – تحت بند المخالفة – بالمدن و القرى القديمة ، و نتسائل أيضاً إذا كانت الزيادة السكانية ستحول السوق العقاري لسباق يفوز فيه الأغنياء على حساب الآلاف من الفقراء الذين لم يعد امتلاكهم لثمن شقة شيئا في استطاعتهم حتى لو عملوا بجد لسنوات طويلة.