تحت حجة التأديب و العمل بمقتضى الشريعة .. يفلت الجناة بحق أطفالهم في مصر من العدالة

قسم : تقارير

تعد ممارسات العقاب البدني للأطفال مقبولة على نطاق واسع في مصر سواء اجتماعياً أو قانونياً سواء كانت بالمنزل أو بالمدارس أو في مراكز الدروس الخصوصية  و بسبب هذه الممارسات  يستمر مسلسل قتل الأطفال في مصر، تحت حجة التأديب التي تمثل ثغرة طال استغلالها في القانون المصري .

فمجدداً وبعد مرور أقل من أسبوع على جريمة القتل المفجعة التي طالت طفلة في سوهاج بمصر، شهدت محافظة الجيزة أيضاً جريمة مروعة بحق طفلة لا يتعدى عمرها 5 سنوات.

و قد تم العثور على جثة الطفلة ملقاة في أحد الشوارع وعليها آثار تعذيب وكدمات ، حتى أن الشهود وجدوا جثة الطفلة ملقاة وسط مخلفات أخشاب بجوار إحدى المقاهي الشعبية قرب الطريق الدائري، فلم يشفع صغر سن الطفلة لوالدتها و لا زوجها  بدفن الطفلة دفناً كريماً بعد قتلها.

سنة مع وقف التنفيذ لقاتل طفلته بعد صفعها و لكمها و ضربها بماسورة حديد

في عام 2018  قضت محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة مواطن مصري ، بالحبس سنة مع وقف التنفيذ ،رغم اعتراف الأب بجريمة قتل طفلته  التي لم تتجاوز 5 سنوات بواسطة ماسورة مياه ، و شهادة الأم عليه ، و رغم تقرير الطب الشرعي الذي أكد وجود آثار كدمات عديدة و متفرقة على جسد الطفلة ، و رغم توافر أداة الجريمة و تحريزها ، إلا أن القاضي قرر ذلك الحكم  استنادًا على أن المتهم هو العائل الوحيد لأسرته، وحفاظًا على طفلته التى ولدت بعد وفاة شقيقتها، إلى جانب أن وجود “إباحة شرعية” فيما فعله المتهم، واستنادًا إلى المادة 60 من قانون العقوبات التى تنص على الآتى «لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة».

وتعود أحداث الواقعة بتلقى قسم شرطة بولاق الدكرور، إشارة من المستشفى، بوصول “علا ع” 5 سنوات، جثة هامدة وبها كدمات متفرقة بالجسد فى الصدر والبطن والذراعين والساقين والجمجمة وجرح سطحى بالجبهة.

بالانتقال تم التقابل مع والدة المجنى عليها، 26 سنة، ربة منزل، التى صرحت بأن زوجها هو من تعدى على الطفلة بالضرب مستخدما ماسورة مياه أثناء قيامه بالمذاكرة لها.

وباستدعاء المتهم عماد 27 سنة، والد الطفلة، اعترف بقيامه بالتعدى على ابنته أثناء قيامه بمعاقبتها للمذاكرة وعمل الواجب المدرسى وأرشد عن مكان الماسورة المستخدمة فى الجريمة.

وبإجراء التحريات اللازمة، أكدت صحة أقوال الأم، من قيام المتهم بالتعدى على ابنته باستخدام ماسورة المياه، وأضافت التحريات بأن المتهم دائم التعدى على المجنى عليها.

اعترف المتهم، أنه كان متواجدا بالمنزل فى يوم الواقعة ولم يذهب إلى عمله، وأنه توجه إلى الحضانة للعودة بابنته وهناك أخبرته المعلمة الخاصة بها أن مستواها الدراسى ضعيف، وبالوصول إلى المنزل طلب منها الدخول لتغير ملابسها وإحضار كراسات الحضانة ليقوم هو بمذاكرة دروسها ومساعدتها فى عمل الواجب.

وأضاف المتهم، أنه لاحظ عدم استطاعة الطفلة قراءة أو كتابة أى كلمة وهو ما أغضبه فقام بصفعها على وجهها، وبالمحاولة معها مرة أخرى لم تستجب، فقام بدخول إلى المنور الخاص بالمنزل وقام بإحضار ماسورة مياه لتخويفها بها، إلا أنه وجد أن الطفلة لا تستجيب فاستشاط غضبا وقام بضربها بالماسورة على يديها وظهرها ورأسها ففوجئ بنزيف دم وأخبرته ابنته أنها تشعر بإعياء شديد.

وتابع أنه بالوصول إلى المستشفى أخبروه بوفاة ابنته، وأعلن الأب ندمه الشديد وانه كان يريد تخويف ابنته وتوبيخها لعدم قيامها بمذاكرة دروسها، مؤكدًا على أنه لم يقصد إزهاق روحها، بل كان يقصد معاقبتها فقط.

و بمجرد أن قال الأب أن مقصده كان ” التأديب” وفق أحكام ” الشريعة”  و أنه لم يكن يقصد قتلها رغم استخدامه للصفع و اللكم و الضرب بماسورة حديد ، خفف القاضي عنه الحكم ، ليعود لمنزله و ربما ليعاود ضرب الطفلة الأخرى التي ولدت بعدها.

 

قانون الطفل المصري

تتضمن المادة المادة 7 مكرر (أ) ما نصه : “مع مراعاة واجبات وحقوق متولى رعاية الطفل، وحقه فى التأديب المباح شرعاً، يحظر تعريض الطفل عمداً لأى إيذاء بدنى ضار أو ممارسة ضارة أو غير مشروعة”.

و بالرغم من أن نص المادة لم يذكر بأن التأديب الشرعي يتمثل في الضرب إلا أنه لطالما تم استخدام هذه المادة للافلات من العقوبة بسبب أن التشريع الديني يسمح بضرب الأطفال للتأديب ، و قد نبه العديد من الحقوقيين خطورة الدمج بين ما هو قانوني و بين ما هو في التشريع الديني لأنه قد يتعارض أحدهما مع الآخر و بالتالي يصبح الأمر كما لو أنه لم يتواجد نص قانوني لمنع إيذاء أو تعنيف الأطفال بدنياً.

و ما يشهد به الواقع في مصر ، بأنه  يوجد نحو 65% من المراهقين بين 13-17 سنة يتعرّضون للعقاب البدني بغرض التأديب، بشكل أساسي في المنزل ثم المدرسة، إضافة إلى تعرض الآلاف ممن يصغرونهم سناً إلى تعنيف بدني شديد ، قد يكون جلياً على وجوههم في بعض الأحيان دون أن يهتم لهذه العلامات أحد ، لأنه حتى إذا قام أحدهم بالتبليغ عن الأمر فسيفلت المعنفين للأطفال من جرائمهم بعبارات بسيطة مثل ( أنه لم يكن عامدا) أو بأنه ( يمارس حق التأديب الشرعي ).

 و أما الميثاق الأفريقي لحقوق و رفاهية الطفل – و التي انضمت لها مصر في 1990 – فهو ينص على كلمة ( إشراف بدلاً من تأديب) و يذكر ما نصه في بند حماية خصوصية الطفل  : ” لا يتعرض طفل للتدخل التعسفي أو غير المشروع في خصوصيته أو بيت أسرته أو مراسلاته، أو يكون عرضة للتهجم على شرفه أو سمعته، بشرط أن يكون للآباء أو الأوصياء القانونيين الحق في ممارسة الإشراف المعقول على سلوك أطفالهم، ويكون للطفل الحق في حماية القانون ضد مثل هذا التدخل أو التهجم”.

هل ضرب الأطفال يصلح كأداة تأديب ؟

بداية من تسعينيات القرن الفائت بدأت الأدلة البحثية تتجمّع لتُشير إلى أن الضرب يُؤتي ثمارا تقع على النقيض تماما مما يمكن أن تتوقّع منه، حيث يتصوَّر الأب أو الأم أن ذلك سيُخضع الابن ويجعله أكثر هدوءا، لكن تبيَّن أن الضرب يساعد على تطوير سلوك مستقبلي عنيف، وربما مُعادٍ للمجتمع، لدى الأطفال. كما أنه يُخفِّض من هيبة الآباء في عيون أطفالهم حينما يصلون إلى المراهقة وما يتلوها من مراحل، نتحدث هنا عن دراسات ضخمة فحصت عشرات إلى مئات الآلاف من الحالات.

لكن الأكثر دعوة للتأمل كان دراسة صدرت قبل نحو عامين من جامعة ماكجيل الكندية، أشارت بعد فحص 88 دولة حول العالم إلى أنه في الدول التي تُجرِّم العقاب الجسدي في المنزل أو المدرسة كانت نِسَب العنف بها أقل بنسبة 31% بين الشباب و42% بين الشابات، مقارنة بتلك التي يُسمَح فيها بالعقاب البدني، أما في البلدان التي كان فيها حظر جزئي -في المدرسة فقط- للعقاب البدني، فكان مستوى العنف لدى الشباب مماثلا لذلك الموجود في البلدان التي لا يوجد فيها تجريم للعقاب البدني.

و إننا نتسائل بعد كل ما سبق ، عن الوقت الذي تتخلى فيه مصر عن المادة الثانية من الدستور و عن إقحام التشريع الديني الذي يتضمن أحاديث صحيحة و أخرى موضوعه و قتاوى متضاربة مع نصوص القوانين التي لابد أن تكون محددة و خالية من الثغرات التي قد تجعل الجناة يفلتون من العقوبة بعد جرائم قتل أطفالهم.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *