أصدرت مؤسسة “حرية الفكر والتعبير”، تقريراً بعنوان “سري للغاية” رصدت من خلاله كيف قيدت القوانين تداول المعلومات في مصر، لا سيما أنه كثيراً ما يُنظر إلى مسألتي “الأمن القومي” و”حق الشعب في المعرفة” على أنهما تتنافران في اتجاهات متعاكسة، في حين ساد التوتر في بعض الأحيان ما بين رغبة الحكومة في الاحتفاظ بسرية المعلومات على أساس الأمن القومي، وبين حق الشعب في الحصول على المعلومات التي لدى السلطات العامة.
وبعد تتبع القوانين المقيِّدة لتداول المعلومات داخل البنية التشريعية المصرية، أشارت مؤسسة “حرية الفكر والتعبير”، في تقريرها إلى التدخل بتعديلات تشريعية موسعة بخصوص الكثير من القوانين المقيدة لتداول المعلومات في المنظمة التشريعية المصرية، وداخل البنية التشريعية، والتي تعتبر عاملاً مساعداً في تعثر تداول المعلومات، جنباً إلى جنب الإسراع في إصدار قانون لتداول المعلومات.
وبعد عرض العقوبات التي قد يتعرض لها من قام بالتداول والإفصاح عن معلومات “لها صفة السرية” خاصة تلك التي تتعلق بالأمن القومي سواء كانوا موظفين عموميين أو صحافيين أو مواطنين، في قانون العقوبات المصري، وجدت المؤسسة خلطاً بين المصطلحات واستخدام الأمن القومي كوسيلة لإخفاء المعلومات، وتقييد تداولها، بل وملاحقة من يحاول تداولها جنائيّاً.
وقالت إنه “في غياب تعريف محدد وواضح لمصطلح الأمن القومي، فضلاً عن غياب قانون لتداول المعلومات يقوم بتصنيف المعلومات وفقاً لفئات السرية (سري – سري للغاية – محظور)، إذ يجب أن يكون تقييد تداول المعلومات مبرراً في نطاق المبدأ نفسه، كما نصت مبادئ تشواني، ومبادئ جوهانسبرغ بشأن الأمن القومي وحرية التعبير وتداول المعلومات، على ضرورة إحداث توازن مناسب ما بين الإفصاح عن المعلومات وحجبها”.
وأوصت مؤسسة “حرية الفكر والتعبير”، في تقريرها، بإلغاء قانون رقم 121 لسنة 1975 في شأن المحافظة على الوثائق الرسمية للدولة، والذي يعتبر الوثائق والمستندات والمكاتبات التي تتعلق بالسياسات العليا للدولة أو بالأمن القومي سرية لا يجوز نشرها أو إذاعتها كلها أو بعضها كما لا يجوز تداولها أو الاطلاع عليها إلا لمن تستوجب طبيعة عمله ذلك.
كما أوصت بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 472 لسنة 1979، في شأن المحافظة على الوثائق الرسمية للدولة.
واقترحت المؤسسة تعديل قانون رقم 356 لسنة 1956 المنظِّم لإنشاء دار الوثائق القومية على النحو الذي يتماشى مع الحق في المعرفة وتداول المعلومات، من خلال إلغاء تبعية محتويات الدار بشكل عام لوزارة الآثار، على أن يتم تفصيل ما يمكن أن يندرج تحت مظلة الآثار كـ”أوراق البردي” على سبيل المثال. بالإضافة إلى ضرورة تعديل نظام السماح للجمهور بالاطلاع على الوثائق التاريخية، من خلال عدد من الإجراءات الواضحة والمحددة، على أن يتم إرجاعها إلى قانون تداول المعلومات المنتظر، من خلال النظر في طلبات الاطلاع على الوثائق من قبل هيئة مستقلة مثل مفوضية المعلومات.
وكذلك أوصت بإلغاء القانون رقم 313 لسنة 1956، والذي على الرغم من إلغائه بواسطة القانون رقم 112 لسنة 1957، فإنه صدر في تعديل للقانون بعام 1967، وهو ما يتعارض مع القاعدة القانونية “الساقط لا يعود”. وكذلك إلغاء قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 لما يحمل من معاداة لوسيط من أهم الوسائط في عصرنا الحالي فيما يتعلق بتداول المعلومات، وهو الإنترنت.
وطالبت المؤسسة كذلك بتعديل المادة (11) قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018 على النحو الذي يضمن للصحافي القدرة على الحصول على المعلومات وفقاً لضوابط وآليات محددة وواضحة بعيدًا عن مصطلحات فضفاضة، مثل: “معلومات سرية بطبيعتها”. وأخيراً أوصت بإلغاء قانون تداول المطبوعات رقم 20 لسنة 1936، لما يفرضه من تقييد تداول المطبوعات وعرضها من خلال فرض سيطرة مركزية من قبل وزارة الداخلية على المطبوعات والنشر.
و قد فتح هذا التقرير الباب أمام إصلاح القوانين التي تخص تيسيير حرية تداول المعلومات ، في الوقت الذي تتدخل فيه السلطة الأمنية في اختيار اللجان داخل مجلس الشعب، الموكل إليه تغيير القوانين ،و بالتالي فإن التقارير البحثية لا يمكن أن تتحول إلى واقع ملموس ،بدون تخفيف القبضة الأمنية ،و تحقيق الفصل الكامل بين السلطات كما ينص الدستور المصري.