في عام 2017 ، تقدمت شادية خضير، عضو مجلس النواب عن حزب مستقبل وطن، بمشروع قانون موقَّع من 60 عضوًا بشأن تعديل قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم (58) لسنة 1937، بحيث يتضمن ضرورة استحداث نص يجرِّم «عقوق الوالدين» ، ويحدد عقوبات رادعة ضد مرتكبيها؛ و أرجعت سبب القانون إلى انتشار هذه الظاهرة.
وتنص المادة الأولى من المشروع: “يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بعقوق والديه، سواء بالسب أو القذف أو الإهانة أو الترك، وتُضاعف العقوبة إذا ترتَّب على الفعل إحداث أضرار صحية بأيٍّ من الوالدين”.
مصطلح ديني فضفاض قد يحتمل العديد من الأوجه
و قد استفتحت مذكرة النائبة شادية خضير إلى رئيس مجلس النواب بخصوص هذا التعديل بالآية القرآنية التي تقول ” و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحساناً ” ، كما جاء في نص الرسالة : ” و حيث أن العقاب الجنائي في قضايا عقوق الوالدين لم يتحدث بالمعنى الصريح و الواضح عن جريمة عقوق الوالدين بالمفهوم الواسع ، و إنما تحدث عن بعض جوانبها المالية و الاهتمام و الرعاية للوالدين بالمفهوم العام و دون تحديد عقوبات خاصة ضد مرتكبي تلك ” الجريمة التي يهتز لها عرش الرحمن”.
و كما يبدو من نص الرسالة فإن فيها خلطاً بين مصطلح ديني “فضفاض” و هو مصطلح عقوق الوالدين و بين نصوص القانون الجنائي التي كانت تستخدم بنود معينة و محددة في الصياغة لا تجبر الأبناء الذين لم يتلقوا عناية طيبة من آبائهم برعاية هؤلاء الكبار تحت تهديد القانون تحت ذريعة أنها جريمة يهتز لها عرش الرحمن و هو ما لم يأت به أي نص ديني في قرآن أو حديث صحيح.
و إن كان يوجد حديث منسوب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ينص على:”[ من نظر إلى أبيه أو أمّه شزراً أمسكت الملائكة عرش الرحمن خشية أن يسقط من غضب الجبّار ]و هو من الأحاديث الضعيفة والباطلة ، حيث يقول أهل العلم الديني :”لم نجد في الكتاب والسنة ما يدل على أن عرش الرحمن يهتز او يسقط لارتكاب شيء من المعاصي والذنوب”.
و قالت أسماء عبد الحليم مستشارة العلاقات الزوجية،في تقرير بعنوان “عقوق الوالدين ينتظر كلمة النهاية من البرلمان” تم عرضه بجريدة الوفد المصرية في 4 مارس 2017 ، بأن هناك بعض الحالات التي تحدث من الأبناء مثل “الصوت العالي والعند وعدم سماع وتنفيذ التعليمات التي يضعها الأب والأم داخل المنزل ” ، و أردفت أسماء بأن هذه الحالات تحتاج إلى استشارة طبيب نفسي لحالها ، جتى يتم تقرير ما إذا كانت ستعرض على القضاء من عدمه !!.
و نتسائل ، متى و في أي ميثاق حقوقي صارت عدم تنفيذ التعليمات هي جريمة تتطلب العرض على طبيب نفسي لتحديد ما إذا كانت ستعرض على القضاء أم سيكتفى بهذا التكدير للأبناء الذين سيساقون إلى أقسام الشرطة و مقار الطب النفسي لمجرد أن يريدون تحقيق حياة خاصة بهم لا يتدخل فيها الآباء؟
و في نوفمبر 2021 ، لم يتم تأكيد المطالبة و حسب بالقانون بل تم مناقشة تغليظ العقوبة لمرتكب ما يسمى بـ ” عقوق الوالدين”، حيث شهدت الجلسة العامة لمجلس الشيوخ، المنعقدة بالأمس الأحد، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، المُخصصة لمناقشة مشروع مقدم من الحكومة بإصدار قانون حقوق المسنين، ومشروع قانون مقدم من النائب عبد الهادي القصبي وأكثر من 60 برلمانيا في ذات الصدد، مطالبة بتغليظ عقوبة عقوق الوالدين.
اعتراض واسع على القانون
تقول أسماء حسن 32 عاماً : ” لطالمي كنت أتعرض للتنمر و التعدي اللفظي و البدني علي من قبل والدي في داخل و خارج منزلي ، و لطالما تعرضت لحرمانه لنا من أقل الحقوق المادية ، لم يوفر لي القانون الحماية الكافية ، كنت أستغيث بالشرطة المصرية بسبب حبسي في المنزل فيطالبونني بأن آتي لأحرر محضراً بذلك و عندما كنت أحرر المحاضر بسبب العنف كان القضاة يحكمون فيها ببراءته بدون حضوره للجلسة رغم وجود كشف طبي يثبت الكدمات و الجروح ، و الآن بعدما كبرت سن والدي يطالبني القانون برعايته ، أفضل الموت على أن أقدم له الرعاية التي لا يستحقها”.
تقول يمنى مصطفى 20 عاماً : ” لقد تلقيت رعاية من والداي على مدار حياتي ، و أنا الآن أرد لهما الجميل بما أستطيعه ، لكني لا أسمح لهما بالتدخل في شئوني أو اتخاذ أي قرار يخص حياتي ، و نحن متفقون على ذلك ” ، و في سؤالها عن رأيها في قانون عقوبة عقوق الوالدين تقول :” إذا كانت العقوبة مصدرها هو التشريع الديني فأنا أعلم بأن الخليفة الثالث للمسلمين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- قد أقر عقوق ابن لأباه دون أن يعاقبه ، و قال للأب أنت عققت ابنك ، و ذلك يجعلني أرفض القانون خصوصاً بأنني أرى يومياً آباء يجبرون أطفالهم للتسول أو العمل بأعمال شاقة، أراهم يرتدون ملابس متسخة و يتسولون الطعام ، و يظهر على وجوههم ندبات و حروق ، فكيف يطالب القانون المصري هؤلاء ببر آبائهم و هم الذين لم يتلقوا أقل معاني الرحمة منهم ، و لم يوفر لهم القانون نفسه حماية من الاستغلال المادي من قبل والديهم “.
و يقول مايكل يسري :كان والدي يضربني باستمرار ، فقمت في إحدى المشاجرات بكسر زجاجة في الحائط ، و ظللت ممسكاً بها طوال فترة شجاره معي ، و ما أن تقدم علي ليضربني قمت بضربه بالزجاجة المكسورة ، و ذهبنا يومها لقسم الشرطة حيث تلقيت محاضرة عن بر الوالدين داخل القسم من قبل ضابط النبطشية ، و الذي قرر أن يعقد الصلح بيننا دون عمل محضر ، و منذ ذلك الحين ، ووالدي لا يرفع يده علي ، لأنه يخاف من ردة فعلي ، ولو أني لم أقم بالدفاع عن نفسي يومها لاستمر في تعنيفه لي و الذي لطالما خلفت جروحاً عميقة “.
و تقول فوزية أحمد 65 عاما: ” أنا لا أرى ضرورة لوضع هذا القانون ، لأنه يرسخ لفكرة تبعية الأبناء للآباء ، و في الحقيقة لدي 3 أبناء و أنا أدرك منذ أنجبتهم بأني لا أمتلكم و أنهم غير مضطرين للبقاء معي أو لخدمتي إذا لم يرغبوا في ذلك ، كما أن ترسيخ فكرة تبعية الأبناء لآبائهم ستدفع المصريين لزيادة أعداد المواليد ، لأنه كلما صار لهم أبناء أكثر فهذا يعني مجموعة أكبر من العبيد المخصصين لتنفيذ رغباتهم و رعايتهم تحت تهديد القانون ، أما إذا فهموا بأن الأبناء هم بشر مستقلون بذواتهم و أنهم ليسوا مضطرين لخدمتهم ، حينما فقط سيفكرون ملياً قبل أن يقرروا إنجاب المزيد من الأطفال خصوصاً إذا لم تتوفر لديهم موارد مالية كافية لرعايتهم”.
قانون ” عقوق الوالدين” يتعارض مع قانون الطفل .. كيف؟
ينص الميثاق الأممي لحقوق الطفل و الذي وقعت عليه مصر و اعتبرته جزءاً لا يتجزأ من المنظومة القانونية في مادته الثانية عشر :”(1) تكفل الدول الأطراف في هذه الاتفاقية للطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة حق التعبير عن تلك الآراء بحرية في جميع المسائل التي تمس الطفل، وتولى آراء الطفل الاعتبار الواجب وفقا لسن الطفل ونضجه،(2) ولهذا الغرض، تتاح للطفل، بوجه خاص، فرصة الاستماع إليه في أي إجراءات قضائية وإدارية تمس الطفل، إما مباشرة، أو من خلال ممثل أو هيئة ملائمة، بطريقة تتفق مع القواعد الإجرائية للقانون الوطني.”
و لذلك شرعت الدول لتشريع قوانين تلزم الآباء بتنفيذ رغبات أطفالهم فيما يتعلق بحياتهم الشخصية مثل القانون النرويجي الي ينص على : “عندما يصبح الطفل قادرًا على تكوين وجهة نظره الخاصة بشأن الأمور التي تهمه ، يجب على الوالدين النظر في رأي الطفل قبل اتخاذ قرار بشأن الحالة الشخصية للطفل. تعلق الأهمية على رأي الطفل حسب عمره ونضجه. الأمر نفسه ينطبق على الأشخاص الآخرين الذين لديهم حضانة الطفل أو المتورطين مع الطفل”.
و ينص أيضا على : ” يجب تزويد الطفل الذي بلغ السابعة من العمر والأطفال الصغار القادرين على تكوين وجهات نظرهم الخاصة بالمعلومات والفرص للتعبير عن آرائهم قبل اتخاذ القرارات المتعلقة بالمسائل الشخصية التي تؤثر على الطفل ، بما في ذلك مسؤولية الوالدين والحضانة و التمكن من. تُعطى آراء الطفل وزناً حسب عمره ونضجه ، وعندما يبلغ الطفل سن الثانية عشرة ، يتحمل رأي الطفل وزنًا كبيرًا”.
و ليس ذلك و حسب ، بل إنه يجب على الأطفال الذين بلغوا سن 15 عامًا في النرويج حسب القانون :” أن يقرروا بأنفسهم مسألة اختيار التعليم والتقدم لعضوية الجمعيات أو الاستقالة منها”، و أنه “يجب على الوالدين تمديد حق الطفل في اتخاذ قراراته بنفسه كلما تقدم في العمر وحتى بلوغه سن 18 عامًا”.
فلا يوجد ما يسمى بقانون ” عقوق الوالدين ” بالدول التي تحترم حقوق الإنسان ، و عندما يرفض الطفل تنفيذ رغبة أهله بالالتحاق بنادي رياضي ما ، و يقرر لنفسه الالتحاق بنادي آخر ، وهو في سن الـ 15 ، فإن القانون يحمي حق الطفل في ذلك ، أما أن تشرِّع إحدى الدول قانوناً لإلزام الأطفال و معهم الشباب و الفتيات الذين تجاوزوا الـ 18 عاماً برهن حياتهم و تعليقها بأسرهم إلى حد أن يتهموا بما يسمى ” جريمة عقوق الوالدين” لمجرد رغبتهم في السفر ، أو الاستقلال التام عن الأهل ، فهذا يتعارض مع حقوقهم و يلقي بعبء من المفترض أن تكفله الدولة للمسنين على عاتق الأبناء وحدهم ، الذين لم تكفل لهم الدولة بعد ضماناً لحقوقهم في الطفولة، و الذين لطالما تعرضوا في طفولتهم للإيذاء النفسي و اللفظي و البدني تحت مرأى و مسمع الأفراد و المؤسسات المجتمعية بلا حماية.