أعلن تقرير شركة الاستشارات (نايت فرانك) ارتفاع عدد أثرياء العالم، والذين تزيد ثرواتهم على ال30 مليون دولار بنسبة 6 في المائة، في عام 2019 ليصل إلى أكثر من 513 ألف على مستوى العالم.
في مصر رصد التقرير زيادة من تزيد ثرواتهم على الـ30 مليون دولار من 740 شخص في 2014 إلى 764 في 2019، متوقعا أن يصل هذا العدد إلى 1269 في 2024. ويضيف التقرير نفسه أن عدد من يملكون أكثر من مليون دولار في مصر زاد من 45 ألف إلى 57.6 ألف شخص في السنوات نفسها ليزيد عدد المليونيرات في تلك الفترة 12.6 ألف مليونير.
وبينما يتوقع التقرير أن يزداد عدد أثرياء العالم، الذين تزيد ثروة الواحد منهم على 30 مليون دولار، بنسبة 27 في المائة حتى عام 2024، إلا أنه يتوقع أن تكون النسبة أكثر من ضعف ذلك في مصر لتصل إلى 66 في المائة، ليصبح 1269، لتحل في المركز الثاني بعد الهند في تراكم الثروات، بينما يتوقع التقرير أن يزيد عدد من تزيد ثروتهم على المليون دولار إلى أكثر من ضعف عددهم الحالي ليبلغ 96 ألف مليونير في 2024.
لا يتفوق على سرعة تراكم الثروة في مصر إلا سرعة تراكم الفقر، فبينما يزداد عدد الأثرياء، وحجم ثرواتهم في مصر بمعدلات تسبق العالم وتحتل المرتبة الثانية، تقفز معدلات الفقر بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لتحول ثلث سكان مصر إلى فقراء، إذ زادت نسبة الفقراء في مصر من 27.8 في المائة عام 2015، إلى 32.5 عام 2018، أي أن عدد الفقراء في مصر ارتفع من أقل من 25 مليون في 2015 إلى حوالي 32 مليون في 2018.
اللافت في أرقام الفقر والثراء في مصر هو تزامنها مع سنوات التقشف، والتي طالما تباهت السلطة السياسية بتحمل المصريين لأعبائها والصبر على نتائجها، بينما تفضح تلك الأرقام أن سنوات التقشف لم توزع نفس الهدايا على المصريين، فبينما كانت تمنح للمئات منهم الثراء والثروة، كانت تدفع الملايين منهم تحت خط الفقر.
العلاقة العكسية بين الثراء والفقر لا تبدو عشوائية أو عرضية، فطبيعة الإجراءات التقشفية التي طبقتها الدولة على مدار السنوات الماضية تؤكد أن الثراء هو التفسير الأول للفقر.
أسعار الفائدة المرتفعة على الودائع والتي وصلت ل20 في المائة عام 2016، كانت تعني بشكل مباشر أن من يمتلكون الثروة سيتمكنون من الحصول على أرباح مرتفعة دون مخاطرة أو مجهود، بينما من لا يمتلكون سوى دخلهم الشهري فسيخسرون نصف قيمة هذا الدخل نتيجة تضاعف الأسعار الذي صاحب رفع الفائدة، الذين امتلكوا العملات الأجنبية تضاعفت أرصدتهم صباح الثالث من نوفمبر 2016 مع قرار تحرير سعر الصرف دون أي عمل أو مجهود، بينما تراجعت قيمة المرتبات والمعاشات لأقل من النصف ضمن آثار تحرير سعر الصرف على الأسواق. نفس الأمر بالنسبة للضرائب، والتي ارتفعت على الاستهلاك بتطبيق ضريبة القيمة المضافة وتراجعت على الدخول والشركات وجمدت على أرباح البورصة، فأصبحت الضرائب تحصل من المستهلكين وليس على الأغنياء، ففي عام 2015/ 2016 كانت الضرائب على الاستهلاك 39.9 في المائة، من إجمالي الحصيلة الضريبية، وكانت الضرائب على الدخل إجمالا 41 في المائة، وفي عام 2019/ 2020، ضرائب الاستهلاك أصبحت 48.5 في المائة، وضرائب الدخل أصبحت 34 في المائة، هكذا جرى تحميل الفقراء وإعفاء الأغنياء عام بعد عام ليتحمل الفقراء النسبة الأكبر من حصيلة الضرائب، في نفس السنوات التي تم فيها إلغاء الدعم على الوقود والمياه والكهرباء.
أرقام الثروة التي تعلن في مصر سيفسرها البعض كنجاح لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، والذي وفقا لهذ التفسير سيكون وفر فرص الثراء للمجتهدين ودون قصص نجاحهم في أرصدة وأسهم وعقارات. ولكن أرقام الفقر في مصر ستفضح تلك الأرقام ولن تراها إلا كتفسير وقح وفاضح لمعاناة المصريين، فكل قصة نجاح مزعومة في هذا البلد دفع ثمنها نصف مليون أصبحوا فقراء جراء قصص النجاح.