بات ارتفاع أسعار الكشف في عيادات الأطباء وكذلك المستشفيات الخاصة في مصر، أزمة يعاني منها قطاع كبير من السكان، فيما يسعى مجلس النواب حاليا إلى وضع حد لها.
وقد تقدمت عضو البرلمان المصري “روان لاشين” باقتراح لوزارة الصحة والسكان، بوضع حد أقصى لأتعاب الأطباء داخل عياداتهم الخاصة، بهدف حماية المرضى من الأسعار الجزافية التي يقرها بعضهم.
وأوضحت لاشين أن “مهنة الطب أصبحت (بزنس) لبعض الأطباء الذين يهدفون لجمع الأموال على حساب حياة المرضى، دون الاهتمام بأحوالهم المعيشية الصعبة، مما يرهق المرضى وذويهم”، مضيفة أنه “يجب تفعيل قانون لمنع المريض من أن يصبح وسيلة لتحقيق الأرباح، حتى وصل الأمر لما يسمى بالكشف المستعجل الذي يدفع فيه المريض ألف جنيه في بعض الأحيان للحصول على خدمة طبية سريعة، وهو ما يفوق قدرات الكثيرين”.
و تأكيداً على تصريحات ” لاشين” تؤكد إحدى المصريات و تدعى “ولاء” أنها ذهبت لعيادة طب نفسي في القاهرة و أمضت بضع دقائق مع الطبيبة التي كان يبلغ قيمة كشفها الطبي 600 جنيه مصري ، و أنها بعد دفع قيمة الكشف و العلاج ، قررت أنها لن تتلقى فيما بعد خدمات طبية و ستتعايش مع مرضها لأنه يصعب عليها أن تتكلف هذا المبلغ شهرياً في الحين الذي لا تتقاضى فيه كراتب شهري سوى 1200 جنيه ، و هذا يعني أنها دفعت نصف راتبها للطبيبة.
كما صرح ” الحاج إبراهيم” مواطن مصري ، بأنه ذهب لعيادة أنف و أذن و حنجرة و فوجيء بأن العيادة ليس لها قيمة كشف محددة ، و طلبت منه موظفة الاستقبال ملء بطاقة بررت وجودها بأنه جديد في العيادة ، ووجد أنه من ضمن الأسئلة بالبطاقة ، سؤال يتعلق بعمل المريض ، و استنكر ” الحاج إبراهيم” بشدة أن يكون تحديد سعر الكشف قد يتأثر بالمهنة التي يكتبها ، لأنه لا يمكن لأي طبيب أن يعلم بحجم التزامات المرضى المادية أو حقيقة ظروفهم.
“وبالرغم من تأييد الشارع المصري للمقترح البرلماني ، فإن عضو مجلس نقابة الأطباء بالنقابة “خالد أمين قد رفض اقتراح النائبة، ، مشيرا إلى عوامل يرى أنها قد تدفع الطبيب إلى رفع قيمة كشفه، مثل خبرته وموقع عيادته وإمكاناتها.
وقال أمين: “هناك طبيب استشاري أجرى عمليات لا يقوم بها غيره، تدرب وحصل على زمالة كليات وجامعات على سبيل المثال، وتعلم إجراء جراحات دقيقة”، وفي المقابل “هناك طبيب آخر حصل على الماجستير ،واكتفى بما تعلمه فقط ويطلق عليه أيضا لقب استشاري” ، و يعتقد أمين بأنه ” لا يمكن مساواة الاثنين في قيمة الكشف”.
وأضاف أن “سعر الكشف يرتبط أيضا بالمنشأة وموقعها الجغرافي، فالعيادة في منطقة راقية تكلف الطبيب أكثر من غيرها. وهناك عيادات تطبق فيها البروتوكولات الطبية المعتمدة، وتتوفر بها أدوات تشخيص ممتازة، ويشتري الطبيب لها أجهزة غالية الثمن، وفيها مستوى حديث من وسائل العلاج. لا يمكن أن نساوي ثمن كشف هذا الطبيب بآخر لم يهتم بعيادته أو مستوى أجهزته أو أدواته”، حسب رأي أمين.
ولفت الطبيب إلى أن “النقابة ليست ضد المقترح، لكنها ترى أن تطبيقه صعب وليس في مصلحة الناس”، موضحا أن “الحل في التأمين الصحي الشامل الذي تعمل الدولة على تعميمه تطبيقه، حيث أن الخدمات الطبية فيه بسعر موحد ، وأن الدولة ستستفيد أيضا بسبب التعاقدات التي تقوم بها مع الوحدات الخاصة، جنبا إلى جنب مع الجهات الحكومية”.
وتابع: “يمكن للمستشفيات الحكومية تحديد سعر 50 أو 100 جنيه للكشف مما يجعلها تنافس العيادات الخاصة، وهذه المنافسة في صالح المستشفيات الحكومية، فتعزيز دورها كمنافس للعيادات الخاصة يجعل الأطباء يخفضون الأسعار. تسعير الكشف له بدائل كثيرة، لكن بشكله الحالي غير مجد ويصعب تطبيقه”.
ومن جهة أخرى، قال الأمين العام السابق لنقابة الأطباء أسامة عبد الحي، إن ما يجعل المرضى يلجأون للطبيب في عيادته الخاصة هو أنهم لا يحصلون على خدمة صحية مقبولة في العيادات الحكومية.
وتابع : “كما أن الطبيب يضطر لفتح عيادة خاصة لأن راتبه لا يكفيه”.
ويرى عبد الحي أن “الحل ليس في تحديد أسعار العيادات الخاصة، وإنما في رفع مستوى الخدمة الصحية المقدمة من الحكومة والإسراع بتطبيق منظومة التطبيق الصحي الشامل”.
وشدد على أنه “لا يمكن حصر الأمر في مبالغة بعض الأطباء في تقدير أتعابهم، لأننا بذلك لا نشخص المشكلة بشكل صحيح ولا نعالجها بشكل صحيح”.
و أمام هذه المناقشات التي تدور بين الأطباء الرافضين لتحديد حد أعلى للخدمة الطبية ، و المطالبات الشعبية و البرلمانية بتقويض تحول مهنة الطب إلى “بيزنس” ،لدرجة أن يسأل بعض الأطباء مرضاهم عن عملهم أو جنسيتهم-في الأماكن السياحية- قبل تحديد المبلغ ، نجد أن بعض دول العالم قد حلت هذه الأزمة بقانون طبي عالمي.
هذا القانون العالمي للرعاية الصحية يطبق في “كندا” منذ 37 عاماً،عبر أنظمة الرعاية الصحية الإقليمية الممولة من القطاع العام، والتي تسمى عاميًا «الرعاية الطبية» ، و يعتبر الكنديون أن الحصول على الخدمات الصحية الممولة من القطاع العام أمر بديهي، يضمن تأمين الرعاية الصحية الوطنية حصول جميع المواطنين على الرعاية الصحية أينما كانوا في أنحاء البلاد. ومع ذلك، يُدفع نحو 30% من الرعاية الصحية للكنديين للقطاع الخاص الذي يذهب غالباً نحو الخدمات غير المغطاة أو المغطاة جزئيًا من قبل الرعاية الطبية، مثل وصفات الأدوية وعلاج الأسنان وتصحيح البصر.
ويمتلك ما يقرب من 65-75% من الكنديون شكلًا من أشكال التأمين الصحي التكميلي المتعلقة بالأسباب المذكورة أعلاه، يتلقى الكثيرون ذلك من خلال أرباب العمل أو عن طريق استخدام برامج الخدمات الاجتماعية الثانوية المتعلقة بالتغطية الموسعة للعائلات التي تتلقى مساعدة اجتماعية أو التركيبة السكانية الضعيفة، مثل كبار السن والقاصرين وذوي الإعاقات.
و تبذل الكثير من الحكومات الأوروبية جهدها في الحد من الشركات الخاصة في مجال الرعاية الصحية، حيث تتخذ الحكومات الاحتياطات اللازمة للقضاء على الشركات القائمة على الربح في قطاع الرعاية/الصحة العامة، و تقوم دولة مثل السويد بتمويل و تغطية خدماتها الطبية للمواطنين من الضرائب.
وفي فنلندا يوجد نظام رعاية صحية من المستوى ثالث عالي اللامركزية ممول من القطاع العام وإلى جانبه نظام رعاية صحية خاص أصغر بكثير و تؤول إليه مسؤولية الرعاية الصحية للبلديات (الحكومة المحلية)،و تمول الأسر مباشرة حوالي 18.9 ٪ من الرعاية الصحية،بينما يمول 76.6 ٪من أموال الضرائب، و حددت فنلندا عملية بيع الدواء لنحو 800 صيدلية مرخصة، حيث أن الصيدليات هي جزء لا يتجزأ من النظام الصحي بالدول.
لذلك يمكن القول بأن المقترح البرلماني للنائبة”روان لاشين” ، هو مقترح عملي و مفيد يقوض من تحول العيادات الخاصة إلى جهات استثمار ،و ذلك كخطوة أولى نحو تعميم نظام طبي عام يقوم على خدمة المريض أولاً و هو الذي وُجدت من أجله كل العيادات و المستشفيات و الصيدليات بالدولة، فهل ستتدخل الدولة لإقراره حفاظاً على سلامة وحياة المرضى؟